بقلم : عاطف محمد
من هو الذي أجعله ملكًا وأنال السيادة؟ وأي سيادة أنالها؟
المعلم …..نعم المعلم…..
قدّر معلمك يعظم قدرك وتنال سيادة القلوب والعقول ،ترقى ويصبح قدرك من قدر تقدير معلمك.
_قال شاعرنا العظيم أحمد شوقى أمير الشعراء :
قُمْ للمعلّمِ وَفِّهِ التبجيلا
كادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا
أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي
يبني وينشئ أنفسًا وعقولا
سبحانكَ اللهمَّ خيرَ معلّم
ٍ علَّمتَ بالقلمِ القرونَ الأولى
أخرجتَ هذا العقلَ من ظلماته
ِ وهديتَهُ النورَ المبينَ سبيلا
هل بعد هذا نبحث عن قيمة المعلم ؟؟ نبحث عن كيفية تقديره؟
إنها رسالة ورسولها المعلم والرسالة من الله عز وجل خير معلم، إنه لشرف عظيم لا يدانيه أي شرف.
وهنا لابد نقف عند قول ابن القيم ونفكر قليلا
«علمت كلبك فهو يترك شهوته في تناول ما صاده احتراما لنعمتك وخوفا من سطوتك وكم علمك معلم الشرع وأنت لا تقبل»
اااه من قولك يا علامة العلوم ،علينا أن نعي ونفهم أن المعلم هو الروح التي تبث في كل جسد كل متعلم لتعطيه الحياة، لتمنعه من شهوة الجهل ،نعم فالجهل يصور لك الردئ الخبيث رائعًا وجميلا ولا ينقذك من ذلك سوى المعلم.
علينا أن نتوجه لكل معلم ونقول له كما قال جبران خليل جبران : أيها المعلم، سنكون خيوطًا في يديك وعلى نولك فلتنسجنا ثوبًا إن أردت، فسنكون قطعة في ثوب العلي المتعالي.
أي قدر وأي قيمة يرجعها جبران للمعلم كلنا خيوط، كلنا سوف ننسج على ذلك النول المتميز الذي يخرجنا في النهاية قطعة قماش تضاف إلى ثوب الوطن وقد نكون أهم قطعة في ذلك الثوب وربما نكون القطعة الأغلى والأثمن ،من الذي أعطانا تلك الأهمية والقيمة ،إنه المعلم الذي لولاه ما كان أحد منا كائنا الآن ..
أسوق لكم بعض الأدلة؛
كان السلطان (قابوس) رحمة الله له بروتوكلا صنعه بنفسه و لنفسه، ومن خصائص هذا البروتوكول أنه طوال حياته لم يذهب إلى المطار لاستقبال أي شخصية كانت ،من أي بلد يكون ولكنه كسر ذلك البروتوكول كسرًا ولم يحفل به، بل ألقاه وراء ظهره والسبب زيارة رئيس الهند آنذاك (شانكار ديال شارما) وكان ذلك في مطلع الثمانينات وهنا كاد التعجب والفضول ينهش القلوب والعقول لماذا هذا الرجل تحديدًا ؟!
حاول رجال الحكومة ورجال الإعلام الوقوف على الأسباب ولكن لا جديد، الغريب بل و الأكثر غرابة أنه لم يستقبل الرئيس شانكار أمام الطائرة صعد إليه ودخل الطائرة وعانق الرئيس عناقًا حارًا قبل حتى أن يقوم من مقعده، وكان النزول في أبهى ما يكون السلطان والرئيس ينزلان متشابكين الأيدي بكل حميمية ،أما التصرف الذي أذهل الجميع أن السلطان عندما وصل إلى السيارة المخصصة لنقلهما أشار للسائق بترك مقعده ونفذ السائق سريعا، ثم فتح الباب بنفسه للرئيس شانكار وأجلسه ثم قاد السيارة بنفسه إلى مكان الوصول إلى القصر السلطاني، وقضى الرئيس ما قضى وسافر بنفس الطريقة ..
وعندما سُأل السلطان في مؤتمر صحفي أجاب على تساؤلات الصحافة ووسائل الإعلام قال بهدوء وفخر عندما ذهبت إلى المطار لم أكن أستقبل فخامة الرئيس شارما لأنه رئيسا للهند، ولكن ذهبت لاستقبال صاحب الفضل عليَّ ، السيد شارما معلمي وأستاذي في بونا بالهند عندما كنت أدرس وأنا صغير ولم يكن معلما عاديا لقد علمني كيف أتكلم وأعيش وأتصرف وأواجه أي عاصفة مهما كانت بثبات بعد هذا كله ألا يستحق أن أذهب إليه وأقود سيارته وأحسن ضيافته، وعلى المناصب ألا تنسينا من علمونا فبفضله صرنا على ما نحن فيه الآن … ولهذا حاولت عندما أصبحت حاكما تطبيق ما تعلمته من هذا المعلم العظيم أسوق هذه القصة لأن التصرف آثار إعجابي وجعلني أبحث عن مواقف أخرى ومنها….
ملكة بوتين المتوجة، يُحكى أن الرئيس الروسي بوتين تلك الشخصية الفريدة والتي يُعرف عنه أنه شديد الوثوق بنفسه ، خرق البروتوكول هو الآخر ذات مرة وغير التقاليد المتعارف فعند حضوره مناسبة احتشد فيها جمع كبير من الناس على الصفين، وأثناء سيره نظر ودقق النظر وفجأة، بلا سابق إنذار اخترق الحشود والصفوف دون حرس بطريقة تعجب لها الجميع وعانق سيدة عجوز كانت تقف بين الحشود الكثيرة، وعندما عانقها اجهشت العجوز في البكاء فمسح دموعها بمنديله وتباطأ ذراعها واصطحبها كملكة متوجة وسط دهشة الحضور، من هي التي بمجرد رؤيتها تغيرت كل الثوابت وكل الضوابط….. ثم أعلن للجميع هذه هي الملكة إلى علمتني صاحبة الفضل على أنها معلمتي عاملوها كملكة فهي معلمة رئيسكم …
اما عن المأمون خليفة المسلمين في عصره يروى أنه في يوم من الأيام ضربه المعلم بالعصا دون أي سبب فلم يخطىء حتى يعاقب ولم يسئ الأدب حتى يعاقب فلما الضرب، فسأل المعلم
فقال له اسكت وعندما أعاد السؤال قال له اسكت ، مرت السنين وتغير الوضع ووصل المأمون إلى سدة الحكم ولكن ظل السؤال يحيره… لماذا ضربني المعلم؟!
فلم يصبر واستدعى المعلم وقابله بكل احترام وإجلال أجلسه بجواره وضاحكه ثم طرح عليه نفس السؤال الذي طرحه عليه وهو صغير لماذا ضربتني ضحك المعلم وقال
ألم تنس رغم مرور كل هذا الوقت الطويل !
لم أنس طوال حياتي وظل الموقف يحيرني
قال المعلم كنت أعلم أنك في أحد الأيام ستكون ذا شأن كبير بل وتصبح خليفة الدولة الإسلامية لهذا تعمدت أن أضربك وبدون سبب حتى تعلم أن المظلوم لا ينسى من ظلمه ولا ينسى قدر هذا الظلم، الظلم هو النار بعينها التي تشتعل في قلب المظلوم ولا تنطفئ مهما مرت السنوات…… هكذا علم المعلم
أنه المعلم الذي يحفر علمه في العقول والقلوب يغذي الأرواح يصنع حكما عادلا لهذا فمن الواجب الإنساني والواقع الاخلاقي معرفتنا بالجميل ننصح كل من تعلم……احترم معلمك أظهر له الاجلال والاحترام والإكبار وكل التقدير
هل التعلم سهل؟
أن تصبح مدرسا هذا ليس سهلا، قد يقول البعض وما الصعوبة في ذلك ،أقول لكم في البداية ليس كل من يعلم أو تعلم أو لديه العلم يمكن أن يُعلِّم ،فالتعليم مهنة لها خصوصية لا يدركها إلا المعلم فقط فعندما يقف المعلم أمام التلاميذ ليعلمهم درسا لا يعلم فقط كيف يقرأ ويكتب ويحسب ولكن يخلط علمه بأدب وسلوك وقيم وأخلاق إنسانية راقية ويقدم كل هذا في طبق من النور يتناوله التلميذ فيتحول ظلام عقله إلى نور له آفاق متعددة ، فيخطو خطواته نحو الأمام وهنا يسير بثقة ولا يعبأ من إمكانية السقوط فعلم المعلم جعله يقفز فوق عقبات التخلف والجهل يصمد أمام غباءات الجهلاء ،أسهم في رقي نفسه وأهله ووطنه وعالمه.
دراسة المعلم أهلته لفهم كل العقليات والتعامل معها يعرف من يفهم من أول وهلة، ومن يعاد له الشرح فيفهم، ومن يحتاج للتكرار ليفهم ومن يجب أن تبدع له أكثر لتصل له المعلومة، كل هذا في لحظات ، يبرمج عقل المعلم ما هو المطلوب ويحسن التعامل ويقدم خدمة على أعلى مستوى معتمدة من ضميره أمام الله عز وجل.
لن أؤكد على سمو مهنة التعليم وسمو مكانة المعلم فالكل يعرف هذا جيدا، فحبيبنا (سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام) خير معلم صبر على غزوات الجهل خاطب الناس على قدر عقولهم وعلم المعلمين هذا، فعلموا مؤكدين أن العلماء ورثة الأنبياء وأن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر.
نذكُر لكم بعض الحكام الذين تعلموا فى مصر؛
المعلمون المصريون لهم سبق التعليم علموا الجميع من العامة إلى الساسة والحكام… وإليكم بعض من تعلموا على يد المعلم المصري وفي مصر القائمة طويلة ولكن نسوق منها القليل؛
_الملكة صوفيا ملكة أسبانيا تعلمت في مصر على يد المعلمين المصريين وذكرت هذا في أكثر من مناسبة إجلالا واعترافا وتقديرا.
_أما الملك حسين ملك الأردن فهو كثيرا ما ذكر الإسكندرية ومعيشته فيها وتعلمه فى مدرسة فيكتوريا ويذكر المعلمين بها ويحفظ الفضل في تكوين شخصيته أما زوجته الملكة رانيا فهي إحدى خريجات الجامعة الأمريكية بالقاهرة في مصر
_الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات تعلم وتخرج من كلية الهندسة على يد أعظم المعلمين
_الرئيس صدام حسين في كل أحاديثه عن مصر يذكر فضل تعلمه بها على يد أستاذه إجلاء فهو خريج حقوق القاهرة.
_الرئيس هواري بومدين ذلك الرئيس الجزائري الذي يشير بالفضل لأساتذته في جامعة الأزهر.
_أما وزير العمل السعودي غازي القصيبي فإنه يفتخر أنه خريج حقوق القاهرة أيضا وأنه تعلم على يد الأساتذة المصريين
_وكان لجامعة الأزهر بكل أساتذتها فضل كبير في تعليم رئيس جزر المالديف مأمون عبد القيوم.
فالقائمة طويلة لا يتسع المجال لذكرها ولكن أردت أن أسوق هذه الأمثلة كدليل على براعة وريادة المعلم المصري إنه صاحب الفضل في التعليم والتربية صاحب البناء للشخصية التي وصلت لسدة الحكم في بلدها.
وكان المعلم المصري هو الأساس صاحب السمو الرفيع والمقام الرفيع لهذا…اجعله ملكا تنل السيادة إنه المعلم الذى يبخس حقه الآن.