ماذا يليق بالمسلمين اليوم ؟

علي الشيخ14 أكتوبر 2020
أحمد يوسف الحلواني

بقلم : أحمد يوسف الحلواني

 

نجد صديق اليوم عدو غدًا، و لو تأملنا جذور هذا العداء المتقلب المزاج فإننا سوف نقف على حقيقة واحدة وراء ذلك ألا و هي إننا لا نُحسِن إدارة خِلافَاتِنا على الرغم من أنه طبيعي أن نختلف وطبيعي أن نتباين.

 

لكن للأسف من أسوء ما يُمكِن أن يُبتلى به المرء هو ألا يلحظ أن سنة الله في خلقه الاختلاف والتباين والتنوع ، وألا يلحظ إلا نفسه ثُم يَختصر الكُل في نَفسهِ، فهذه لاشك نرجسية قاتلة ، وهي كما تُصيب الأفراد فإنها تُصيب الشُعوب والتنظيمات والطوائف والمذاهب والجماعات والحركات فلا تَرى إلا نفسها ولا تَسمع إلا صَوتَها.

 

يَظنون أنهم يمتلكون الحقيقة كلها ويعتقدون أن الحق عندهم وبين أيديهم ، ولذلك عليك أن تتطابق معهم ، وإن لم تتطابق فأنت مُبطِل وملعون ومطرود من جنة الحق والمعرفة ومن رحمة الله معًا ، و في الحقيقة هذه وثنية لأن الحقيقة المُطلَقة الكاملة التامة الناجزة عند الله وحده.

 

فكما ينقصنا حسن إدارة إختلافنا وخلافاتنا أيضًا ينقصنا مزيد من البحث عن الحقائق بل مُواصَلة البحث الدائم ، (وهذا هو الذي يليق بالبشر قبل أن يليق بالمسلمين وحدهم)

فنحن في نهاية المطاف بَشر، قال سُبحانه وتعالى { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } وقال أيضًا {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا }.

 

لذلك العَالِم الذي لا يَتعلَّم ولا يُعلَّم هو واحد فقط لا إله إلا هو، يا عالمًا لا يُعلَّم ، هكذا نُخاطِبه في تضرعنا سبحانه وتعالى منزه عن النقائص كلها ، فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو أعظم الأنبياء كان لا يَعلم كُل شيء ، فعلمه محدود يليق بِبَشر، ولكنه بَشر عَظِيم جدًا بل أعظم البشر ولكنه محدود في النهاية إلى جانب علم الله ، هو لا شيء في علم الله ، كنقرة عصفور في يمٍ مُتراطِم عجاج مُترامي.

 

وكما ينقصنا حُسن إدارة خلافنا والاعتراف بتواضع علمنا المحدود والذي سبقنا إليه العالم الآخر المُتقدِّم بل وقد قطع أشواطًا بعيدة وذهب إلى أمداء مُتنائية جدًا في إدارة خلافاته والبحث العلمي فإننا نحتاج أيضًا إلى نظرة إنصاف وعلمية وواقعية وموضوعية إلى الآخرين ، لا نظرة مُتحجِّرة جامدة حصرية مُتبجِّحة وبعيدة جدًا من العدل والإنصاف والتواضع والرحمة ، نَنظر إلى كل مَن عَدانا وكل مَن سُوانا على أنهم خارج دائرة الحق والعلم بل ويذهب بهم الشطاط إلى الحكم على قلوب الناس ونواياهم أو التصريح أنهم لا قيمة لهم عند الله لا في الدنيا ولا في الآخرة .

 

ينقصنا كما أوجز شيخنا محمد الغزالي رحمه الله في كتاب هموم داعية نُريد ثقافة تجمعنا ولا تفرقنا وترحم المخطئ ولا تتربص به الدوائر وترقى إلى الموضوع ولا تتهارش على الشكل ولا أدري لماذا لا نؤثر العمل الصامت المنتج بدل ذلك الجدل العقيم.

 

فتلك الثقافة التي اجتاحت عالمنا الإسلامي مؤخرًا أنتجت وتُنتج عُقولًا مُتورمة مُنتفخة تَملأ حَيزها فلا تَسع الآخرين بحيث لا يُبقى مكانًا ولا مساغًا لهم في أنحاء نفسه وفي طياتها وفي ساحة قلبه ، فهو لا يعرف إلا نفسه ولا يَدُور إلا حول نفسه ، ومن هنا تأتي الكارثة وعلى جميع المُستويات، لأنه لم يبق لديه مساغٌ لكي يرى أحدًا أو يحنو على أحد أو يشعر بمأساة أحد ، فقط هي أطماعه وطموحاته وهلاوسه وجنوناته التي سطت به ، لكن الإيمان وحده يُنقِذكم مِن هذه البلية، معرفة الله وحدها هي إكْسير ودواء ورُقية مِن هذا الجنون لهذا الداء العياء الذي تُعاني منه أُمتنا اليوم .

الاخبار العاجلة