لازالت الشمس بعيدة

علي الشيخ6 أكتوبر 2020آخر تحديث :
لازالت الشمس بعيدة

 

بقلم: مي فاروق

 

مناسبة احتفالات أكتوبر المجيدة ، قررت مجلة( ماجد )

أن تُخصص الصفحة 50 العبقرية من المجلة و التي بعنوان (بأقلام الأصدقاء ) أن تكون للمشاركة في احتفالات النصر العربي العظيم المسمى ( حرب أكتوبر المجيد )

خلت الصفحة من المشاركات الا من صورتين و رسالةٍ واحدة ، الصورتان كانتا لطفلة إماراتية جميلة و لكنها ملونة بمساحيق فاقعة تسمى فاطمة تغني و ترفع علماً صغيراً باهتاً ، و الثانية لثلاثة اطفال أشقاء يحتفلان بأمر آخر .

أما الرسالة كانت مختصرة و بسيطة و محزنة ، بل و مربكة ، كانت من طفلة فلسطينية تسمى ( لميس )

كتبت : من لميس إلى صديقي الرائع ماجد:

لا زالت الشمس بعيدةً .

حقاً ماجد كان صديقي منذ طفولتي و أعلم كم هو رائع !

فمجلة ماجد مجلة رائدة و ملهمة و عبقرية في دنيا الأطفال منذ انطلاقها ١٩٧٩م و إلى الآن ، تصدرها شركة أبو ظبي للاعلام أسبوعياً ، مع إشراقة شمس الأربعاء من كل إسبوع . فيتقابل أطفال الوطن العربي أجمع برجال الأمن المخلصين ( النقيب خلفان ، و المساعد فهمان ، و الملازم مريم )

و أشخاص أخرى كبروا معنا ، و شكلوا خيال ووجدان جيل ٍ مضى ، و أجيال قادمة ، وتحولت كل رسمة فيها و كل فاصلةً لقصة عميقة و أشخاص من لحم و دم ، فهذه شمسة و صديقتها دانة اللتان تعيشان في جزيرتهما بعيداً عن صخب المدينة ، و هذان الشقيقان كسلان جدا ً، و أخوه نشيط جداً ، و موزة و شقيقها رشود ، و غيرهم من الأبطال الذين ربطوا الأطفال بخطوط الفنانيين و أوراقهم و خيالهم العربي الأصيل في علاقة حميمية متقنة و عميقة .

( ماجد ) ربت أطفالاً عظيمة في الوطن العربي على الزي الخليجي بالغترة و العقال ، فكانت تعني لهم الكثير ، بل و تعني للكثير الكثير .

واستطاعت منافسة الكثير من المجلات التي سبقتها والتي لحقتها أيضاً ، و حققت رقماً قياسياً في التوزيع ليصل ١٧٦٥٠٠ نسخة في الاسبوع ،كما بلغ متوسط عدد قراء النسخة الواحدة وفقاً لآخر استبيان للمجلة ٦٠٠ ألف قارئ ، وهو رقم قياسي في تاريخ الصحافة الموجهه للأولاد و البنات ، لتصبح مجلة ماجد و بإختصار جزءاً من تاريخ الوطن العربي و شاهدةً عليه .

لم أنس يوماً حجم السعادة التي كانت تملؤني عند سماع إعلانها ( يلى يا موزة و أنت و عابد نقرأ ماجد ، قبل الشمس ما تطلع …..

واليوم وجدت ماجد حقاً لكني لم أجد الشمس التي كانت تقصدها المجلة .

نعم ، تأثرت كثيراً حينما شاهدت قبل شهر مضى الأطفال الاماراتيين وهم يرتدون قميصاً يحمل العلم الاسرائيلي ، و إلى جانبه العلم الإماراتي ، و بكيت و بدون مبالغة حينما شاهدت تلك الطفلة وهي تعرف نشيد ( هاتِكفاه) النشيد الإسرائيلي .

مَنْ كان يُصدق أن شيئاً كهذا يمكنه أن يحدث ؟

و صارت الأسئلة تصرخ غاضبةً لماذا ؟ و كيف ؟ و أين ؟ و ما ؟ و مَنْ ؟ وماذا بعد ؟

فلماذا يكون ذاك المدعو تطبيعاً على لباس الأطفال ؟

و كيف حدث ذلك ؟ رغم أن تلك الدول التي تطبعت مع الصهاينة قبل عقودٍ لم تضغط على أطفالها بهذا الشكل ؟ بل تركت لهم الكثير من الأمل و شيئاً من الشرف و بعضاً من الصور الحقيقية كصور أطفال صبرا و شاتيلا و دير ياسين و بحر البقر و محمد الدرة.

و أين دور تلك المؤسسات الثقافية التي كان لها فضلاً كبيراً في تأسيس ذاكرة الأطفال بخطابها الثقافي المتنوع و الرائع في مواجهة هذا السخف ؟ أين اختفى ماجد ؟ و أين اختفى افتح يا سمسم ؟

وما الحكمة من تعمد إحراج أطفالنا لهذا الحد ؟

ومَنْ الذي أوهم الناسَ أن التفاصيل الصغيرة صغيرة ؟

أليست معظم النار من مستصغر الشرر ؟

ما اقوله ليس هيناً ، و لا له علاقة بالسياسة أيضاً فلا أعلم عنها الكثير ، لكنني أعلم الكثير عن الثوابت التي لا يمكن أن نتركها تتآكل ، و قرأت الكثير من قصص الأطفال التي تُكرس كونهم قناديل صغيرة لا تسير خلف القاطرة المظلمة ، و ان استغلالهم خيانة ، و أقبح من الخيانة تبريرها .

بعدما شاهدت هذين المشهدين ، و بعدما تصورت ماذا لو افردت إحدى المجلات الرائدة في دنيا الاطفال صفحةً عن نصر اكتوبر ؟ فتخلو الصفحة من أيه اسهاماتٍ سوى صور مخزية ، و شكوى من بعيد لطفلة فلسطينية لا زالت تعاني ، و خزلها الكثير و الكثير .

صرت أرتعد خوفاً من دوران العجلة ، و انطلاق قطار التطبيع بدون فرامل عروبية و لا كوابح دينية و لا نواميس أخلاقية .

فماذا بعد ذلك البؤس ؟ خاصةً و نحن لا ننطلق من فراغ ، و مازال فينا من هو عصي على ذلك الهراء ، و لسنا بؤساء بماضينا .

وحتى نخرج من هذا الحرج ، وجدتني أعيد قراءة إحدى قصص غسان كنفاني و المهداة لابنه اخته الملهمة ( لميس ) و التي رافقته الحياة و الموت قصة ( القنديل الصغير ) آخر قصصه للاطفال و التي حملت التحدي و الأمل و المقاومة .

حيث أوصى الملك الأميرة أن تحمل الشمس للقصر ، و إلا ستقضي باقي عمرها في صندوق من خشب .

فتحاول الأميرة الصغيرة و تستعين بالتوجيهات الموجودة في الأوراق الصغيرة التي وجدتها على باب غرفتها لتقول لها : – لن تجدي الشمس في غرفة مغلقة

– الوقت ضيق و البكاء و الحزن لن يحلا المشكلة .

فتجد الحل في هدم الأسوار و الأبواب التي تمنع دخول الشمس . في إشارة عظيمة لأهمية التعليمات التي يحتاجها الاطفال في التفكير و أهمية الدور الثقافي في تشكيل وعيهم فهم يكبرون مع الشمس بالأحلام و الطموح .

وفي ظل تسارع وتيرة التطبيع و نبضه الحاد ، يصبح الرهان على أدب الطفل و مؤسساته ، رهان عظيم و ربما الوحيد خاصة و انه ليس من المفترض أن يكون التطبيع كخيار سياسي بهذا الدفء و الحميمية ؟ و ليس من المفترض ان يتحقق على جسد الأطفال ؟

لذا أخص بالمسؤولية ( ماجد ) التي خرجت منذ أربعين عاماً من مكانٍ صغير مكون من صالة للمحررين و غرفة لمدير التحرير و غرفة للرسامين ، لتصبح اليوم أكبر مطبعة في الشرق الأوسط صمدت كمطبوعة ورقية في ظل التطور التكنولوجي ، و اجتهدت كثيراً لتكون نافذةً استثنائية للاطفال من خلال محتواها المفتوح و المتنوع و فتحها لزاوية سينما الأطفال ، و تعزيز التفاعل الورقي و الرقمي .

فهل سيسمح ( ماجد ) بان يخرج أطفالاً مشوشةً كما شاهدناهم و هم يتقبحون بالعلم الاسرائيلي ؟ وهو يعلم جيداً بان الخطأ في حق الأطفال لا يقبل الاعتذار . و ان القلب الذي تسعده الاشياء الصغيرة ، تؤذيه أيضاً التفاصيل الصغيرة .

لذا أثق فيه كمؤسسة عظيمة انه سيعتذر للميس صديقته التى لا زالت ترى الشمس بعيدة

و سيجعلها تقرأ ذلك الاعتذار في الاعداد القادمة

مع عناوين أخرى تجعلنا نثق أن الغرباء لم يدمروا المدينة .

في العدد القادم سنقرأ قصة أرض الزيتون السعيد

 

ففي بلاد ليست بالبعيدة تعيش أميرة مغامرة وسط المصابيح المضيئة ، و على مشارف المدينة أسراب طيور تحلق في مشهد ملحمي فوق القباب

كل هذا و أكثر ستقرؤونه على صفحات ماجد في الاعداد القادمة ،،،،،

الاخبار العاجلة