الوطن الأزرق المخطط الأردوغاني الخبيث

علي الشيخ28 ديسمبر 2020
تركيا

بقلم عمر أبو الحسن الباحث في الشئون التركية

الرئيس التركي رجب أردوغان
الرئيس التركي رجب أردوغان

يحدث في ذلك المخطط منذ أن أعلن أردوغان أنه سيحيي الدولة العثمانية من جديد ،ودعم الإرهاب، ونشر الفوضي في كل مكان .

حيث أخذ ثروات الدول العربية من ليبيا وسوريا والعراق من حقول الغاز ، وقام أردوغان بإعلان خريطة المخطط الخبيث.

والذي يبين أنه سيتم احتلال جزر اليونانية في بحر ايجه ،وسيتم احتلال جزيرة كريت ،وزيادة نفوذ في شرق المتوسط المتلفزة التي خرج فيها على المشاهدين ضيفًا.

ووفقا لتلك النظرية، فإن تركيا تمتلك 462 ألف كيلومتر من العمق البحري في مياه شرق المتوسط وبحر إيجة والبحر الأسود.

كما قد سلبت هذه المياه الوافرة بالثروات ومصادر الطاقة (نفط – غاز طبيعي) من الخارطة التركية بفعل المؤامرات التي حاكتها القوى الإمبريالية في غرب أوروبا ضد أنقرة في أعقاب الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918).

كما كان جوردينيك يدعو في كل مرة يشرح فيها نظريته بضرورة إستعادة الوطن الأزرق، إن لم يكن بالدبلوماسية والتفاوض مع دول الجوار، فبالقوة العسكرية.

فهم الخلفية الأيديولوجية لـجيم جوردينيك، تبدو ضرورية لفهم بواعث «الوطن الأزرق».

كما تفيد في التعرف على الأسباب الحقيقية التي تدفع الجيش التركي بفرعيه البري والبحري للانسياق وراء مغامرات أردوغان العسكرية في الإقليم.

على الرغم من الخلاف الأيديولوجي الظاهري بين الفريقين، حيث يتمترس أردوغان خلف أطروحات الإسلام السياسي، بينما يقف الجيش داعما للعلمانية الكمالية التي أقيمت عليها الجمهورية التركية منذ العام 1923.

بينما ينتمي جوردينيك سياسيا إلى «حزب الوطن» التركي الذي يرأسه المفكر السياسي، دوغو بيرنتشيك.

ويقدم «الوطن» نفسه منذ نشأته العام 1992 كحزب قومي – يساري – اشتراكي – راديكالي، يؤمن بالعلمانية الكمالية ولكنه يقف إلى يسار الفريق الكمالي من حيث القناعة بالسياسة الخارجية اللازم على تركيا اتباعها.

فبينما آمن التيار الكمالي الذي حكم أنقرة لسنوات طويلة من القرن العشرين بضرورة ربط مصير تركيا بالولايات المتحدة الأمريكية.

وأيضًا الانسياق وراء سياساتها العامة في الشرق الأوسط، فإن أعضاء «الوطن» آمنوا بضرورة توجه تركيا إلى القوة العظمى المقابلة لأمريكا، أي روسيا، ومقاومة الإمبريالية الغرب أوروبية – أمريكية بالاستناد إلى دعم موسكو.

ورغم أن سقوط الإتحاد السوفيتي مطلع التسعينيات كان من المفترض أن يجهز على أطروحة «الوطن» تلك، فإن الأخير تأسس في الحقيقة بعد تفكيك الإتحاد.

وفي هذا إشارة كافية للتدليل على إصرار الحزب على تبني السياسات المناهضة لواشنطن حتى بعد أن أصبحت الأخيرة القطب الأوحد في العالم.

أو هكذا تصورت وقد إتخذ دوغو بيرنتشيك في البداية اسم حزب العمال في تأكيد لتوجهه الإشتراكي، ثم انقلب أخيرا إلى الاسم الأكثر إيغالا في المعاني القومية.. «الوطن».

وباستثناء هذا الفارق الأساسي بين طرفي الكتلة الكمالية، فإن أعضاء «الوطن» يتفقون مع نظرائهم في كافة الأطروحات الرئيسية التي أقام بها الكماليون تركيا الحديثة.

حيث أن أبرزها العداء المستحكم للأكراد واعتبارهم الخطر الأبرز على وحدة تركيا والقومية التركية، وكذلك الإيمان بأن ثمة خارطة لـتركيا حرم الأتراك من حدودها.

ولكن بسبب مؤامرة القوى الإمبريالية في معاهدة لوزان 1923. هذه الخريطة التي تعرف باسم خريطة «الميثاق المللي» كانت تعتبر الشمالين العراقي والسوري.

وإضافة إلى جزيرة قبرص وتراقيا الغربية في اليونان الحالية جزءا من الجمهورية التركية.

كما تعد خريطة «الميثاق المللي» هي الأصل الذي استند عليه تشيم جوردينيك، عند رسمه خارطة «الوطن الأزرق»، بعد أن انطلق من الحدود البرية الأوسع التي رسمتها تركيا الأولى للوطن الترابي، لرسم حدود بحرية أوسع كذلك لتركيا الثانية.

وقد أقام جوردينيك نظريته على أساس نفس الطرح القومي الذي يتحلق حول الميثاق، وينظر إلى معاهدة لوزان وما وقع بعدها من اتفاقيات على مدار النصف الأول من القرن العشرين.

ذلك باعتبارها مؤامرات حرمت تركيا من حقها في بحر إيجة وشرق البحر المتوسط لصالح خصمتها اللدودة، اليونان.

كما نجحت نظرية «الوطن الأزرق» سريعًا في كسب الأنصار إليها، ليس بين قطاعات الشعب التركي المتسمرة أمام أحاديثه في التلفاز، أو من أفراد المثقفين المطلعين على مقالاته على صفحات «أيدنليك».

بل كذلك بين زملائه من ضباط البحرية الكبار الذين رددوها ورائه ووافقوه عليها، من أمثال الأميرال سونر بولات و الأميرال أوزدين أورنيك والأميرال مصطفى أوزباي.

وكان الأهم من هؤلاء المناصرين جميعا، أن “الوطن الأزرق” وجدت دعما مباشرا لها من قبل النظام التركي نفسه برئاسة رجب طيب أردوغان.

وذلك على الرغم من الخلافات الأيديولوجية العميقة بين جوردينيك وهذا النظام.

ففي العام 2011، ألقي القبض على صاحب «الوطن الأزرق» مع عدد من قادة الجيش التركي بتهمة تدبير انقلاب عسكري ضد حكومة العدالة والتنمية التي يترأسها أردوغان.

وذلك في عملية أطلق عليها اسم “المطرقة” أو “محاكمات أرجنكون”، و”أرجنكون” هو المصطلح الذي يطلق في تركيا على الدولة العميقة المؤمنة بالعلمانية الكمالية والمتهمة.

بالقيام بجميع الانقلابات العسكرية على مر التاريخ التركي ضد الأنظمة التي استهدفت الانحراف عن النهج الكمالي.

كما حكم على جوردينيك بالسجن لمدة 18 عاما كاملة مع إحالته للتقاعد، ثم عاد وأفرج عنه في العام 2015. ومنذ خروجه.

وأبدى تحولا في موقفه من السلطة الحاكمة التي يزعمها أردوغان فبعد انقلاب إسطنبول الفاشل (يوليو 2016)، بدأ جوردينيك في اللقاءات التلفزيونية متماهيا مع النظام في اتهام حركة الخدمة برئاسة فتح الله جولن بتدبير الانقلاب، ولكن مع لمسة خاصة فوقها توقيعه .

حيث هاجم ما أسماه “الجبهة الأطلنطية” المكونة من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوروبي، والتي تدعم حركة الخدمة لا لخلع أردوغان عن الحكم.

بل أيضا لمعاقبة تركيا على تقاربها من روسيا، كما أنه في مقالاته التي كتبها لصحيفة أيدنليك، أشار إلى أن واشنطن تحاول منع تركيا من التحول إلى قوة عظمى.

وفي هذا أو ذاك ظلالا لقناعات الرجل القديمة والدائمة كعضو في «حزب الوطن».

ورغم أنه لا يمكن القول بمسايرة أردوغان ودولته لأطروحات جوردينيك على إطلاقها، لأن الرئيس التركي لا يزال حريصا على علاقة نظامه بالولايات المتحدة الأمريكية، ويعتبرها حجر الزاوية في تحركاته بالشرق الأوسط.

فإن نظرية «الوطن الأزرق» كانت أكثر ما جذب أردوغان إلى جوردينيك، حيث أنها تخدم بصورة تامة حربه التي يخوضها برا وبحرا داخل الشرق الأوسط.

فطوال السنوات العشر الماضية، يتدخل الرئيس التركي في المناطق الساخنة بسوريا والعراق وليبيا إما بالعمليات العسكرية المباشرة أو بحروب الوكالة.

وفي تلك البلدان، لوح أردوغان بخريطة الميثاق المللي لتبرير تدخله في الشمالين السوري والعراقي، ما يعني رغبته في ضمهما إلى الخارطة التركية.

بينما استخدم الماضي العثماني في الصحراء الليبية لإبراز “ضرورة” وجوده بها، وفي الأخيرة تحديدا، أي ليبيا، كانت خريطة “الوطن الأزرق” تصلح لوازع أكثر قوة من مسألة الروابط التاريخية أو الإثنية التي تجمع بين الليبيين والأتراك.

فقد جاء تصعيد أردوغان لتدخلاته في ليبيا على إثر توقيعه اتفاقية تعين الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس (نوفمبر 2019).

ومنحت أنقرة على إثرها حقوقا في ثروات الطاقة بشرق المتوسط، وأدخلتها في خلافات عميقة مع الثلاثي المتقاسم لثروات المنطقة (مصر – اليونان – قبرص).

ولما كانت الإتفاقية وحدها لا تكفي لكسب تأييد الشارع التركي بعد أن أبدت المعارضة في أنقرة خلافًا حول جدواها والفائدة التي ستعود منها على تركيا،

وأن خريطة «الوطن الأزرق» بنبرتها القومية الفاقع ألوانها كانت من شأنها أن تمنح أردوغان مثل ذلك التأييد في وجه المعارضين.

كبار الظباط في البحرية التركية
أما بين كبار الضباط في البحرية التركية، فقد كانت «الوطن الأزرق» مقبولة كما سبقت الإشارة، خاصة من المتابعين لـجوردينيك.

وحتى قبل توقيع اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين أنقرة وطرابلس، كانت مناورة بحرية كبرى قد قام بها الأسطول التركي في شرق المتوسط واختير لها اسم «الوطن الأزرق – مارس 2019».

كما أن رئيس أركان البحرية التركية السابق، الأدميرال جهاد يايجي، كان المهندس الحقيقي بالتنظير والفعل لاتفاقية تعيين الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الليبية.

وحتى بعد الإطاحة بـ يايجي من قبل أردوغان وإجباره على الاستقالة قبل إتمام التوقيع خوفًا من تصاعد نفوذه، فإن خليفته الأميرال.

ويانكي باغي أوغلو، لم يمثل نهاية لتصاعد «الوطن الأزرق» في البحرية التركية، لأن باغي أوغلو نفسه كان المنظم الرئيسي لمناورة الوطن الأزرق السابق ذكرها.

الإسطول التركي

وأخيرًا فعندما تحدث قائد الإسطول التركي، إنجين أتشميتش، في حضور أردوغان فإنه أكد أن قطع البحرية التركية قادرة على…

«على حماية استحقاقات تركيا من الثروات في 462 ألف كيلومتر مربع هي الحدود البحرية للبلاد»، وهي نفسها المساحة التي وضعها جوردينيك في خريطة «الوطن الأزرق».

على تلك الصورة، أصبحت نظرية «الوطن الأزرق» مبررًا للحرب البحرية التي يقودها أردوغان في شرق المتوسط، وعلى أساسها يسير سفن التنقيب والمسح السيزمي في مياه شرق المتوسط.

وذلك للبحث عن الغاز الطبيعي والنفط، متحديا الجارة اليونان ومن ورائها القوى الدولية والإقليمية الداعمة.

وهو بذلك يكرر ما فعله مرارا في حروبه البرية بالعراق وسوريا، والتي كان يلوح فيها على الدوام بخريطة الميثاق المللي.

دليل دمج أردوغان المتنامي

إن «الوطن الأزرق» دليل جديد على دمج أردوغان المتنامي للقومية التركية المتطرفة في خطابه الإسلامي، وهو دمج مستمر طوال العقد الأخير.

وأصبح مفسرًا رئيسيًا لكشف أسباب الوجود العسكري التركي المكثف في الشرق الأوسط وأغراضه النهائية. ومن جهة أخرى.

وإن هذا التركيب الأيديولوجي المتنافر في ظاهره، والمتماسك في حقيقته لتصديره التفسيرات القومية إلى الواجهة.

وذلك مع إزاحة الصراعات الأزلية بين الإسلامي والعلماني إلى الوراء، يمكنه أيضا أن يشير إلى انسجام برنامج أردوغان التوسعي في الإقليم مع أهداف الجيش التركي.

والذي قبل قادته ومن ورائهم المنظرين من الضباط المتقاعدين أمثال تشيم جوردينيك، بمغامرة الرئيس التركي.

ولكن طالما أنها سوف تقود أنقرة في النهاية إلى إستعادة ما فقد من تركيا في البر من الميثاق المللي، وما فقد في البحر من الوطن الأزرق.