بقلم : إسراء عبد الحافظ
قاعدة لها أدلة من الكتاب والسنة فهي من قواعد وسنن عظيمة أودعها الله عز وجل، فإن الله عز وجل قد أودع هذا الكون سننًا ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ،يُنسج على منوالها نظام هذه الحياة.
فالعاقل الذي يفكر لا يصادم ولا يعارض هذه السنن العظيمة قال تعالى : “(وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ۖ ” (سورة الشورى 40)، يقول الإمام السعدي رحمه الله، ذكر الله في هذه الآية، مراتب العقوبات، وأنها على ثلاث مراتب: عدل وفضل وظلم.
فمرتبة العدل، جزاء السيئة بسيئة مثلها، لا زيادة ولا نقص، فالنفس بالنفس، وكل جارحة بالجارحة المماثلة لها، والمال يضمن بمثله.
ومرتبة الفضل: العفو والإصلاح عن المسيء، ولهذا قال: فمن عفا وأصلح فأجره على الله يجزيه أجرًا عظيمًا، وثوابا كثيرا، وشرط الله في العفو الإصلاح فيه، ليدل ذلك على أنه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته، فإنه في هذه الحال لا يكون مأمورًا به.
وفي جعل أجر العافي على الله ما يهيج على العفو، وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه، فليعف عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم، فإن الجزاء من جنس العمل.
حيث يقول الله عز وجل في سورة “النبأ” (جَزَاءً وِفَاقًا)، يقول الإمام ابن كثير رحمه الله هذا الذي صار إليه العباد من هذه العقوبة يوم القيامة وفق أعمالهم الفاسدة التي كانوا يعملونها في الدنيا، قاله مجاهد ، وقتادة ، وغير واحد .
كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو نعيم: “كما لا يجتنى من الشوك العنب كذلك لا ينزل الله الفجار منازل الأبرار ، فاسلكوا أي طريق شئتم ، فأي طريق سلكتم وردتم على أهله”.
“وقوله صلى الله عليه وسلم “احفظ الله يحفظك” .رواه الترمذي ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ” اعمل ما شئت فإنك مجزي به”. “رواه الطبراني”.
وقوله صلى الل عليه وسلم : ” اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ” صحيح مسلم.
هذه الأحاديث النبوية الشريفة يخبرنا فيها الرسول صلى الله عليه وسلم صلوات الله عليه وسلم أن السعيد هو من سلك طريق الله عز وجل ،أن من يراعي حقوق الله تعالى ، ويلتزم بأوامره ، ويقف عند حدود الشرع فلا يتعداه ، ويمنع جوارحه من استخدامها في غير ما خلقت له ، فإذا قام بذلك كان الجزاء من جنس العمل ، مصداقا لما أخبرنا الله تعالى في كتابه حيث قال : { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم } ( البقرة : 40 ) ، وقال أيضا : { فاذكروني أذكركم } (البقرة : 152)، ومبينا صلى عليه عليه وسلم إلى قول الله عز وجل : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [سورة الزلزلة 7 – 8]، وأن الجزاء من جنس العمل، فليتمثل كل إنسان لأوامر الله عز وجل ونواهيه واتباع السنة الشريفة.
فهذه القاعدة لو وضعناها نصب أعيننا لزجرتنا عن المعاصي والشرور بحول الله وقوته ،قاعدة تجعل الإنسان يفكر في أي كلمة عابرة أو موقف آنذاك واجهه بتدبره للمعنى أنه سيجازي على رد فعله بالمثل، لا يندم ولا يتصرع في الحديث سيحاسب نفسه أولا بأول يعقبها حياة هادئة مطمئنة.
هذه القاعدة دافعة للأعمال الصالحة ناهية عن الظلم والفساد، فكل باغي ظالم فاسد لو استحضرها وأنه سيذاق من نفس الكأس وأن الخالق سيحاسبه لراجع نفسه ولكف عن ظلمه وتاب إلى الله وناب إليه.
لو أن هذا الذي يهدم بنيان الله، ويهدر الدم الحرام لو استحضر هذه القاعدة لشعر بهذه الجريمة البشعة وتخيل نفسه مكان ذلك ولراجع نفسه وعلم عقوبة ذلك دنيا وأخرة ولتاب قبل فوات الأوان.
فكل من انتهك الحرمات والأعراض لو استحضر هذه القاعدة لخجل من نفسه ولتاب إلى الله وذكر نفسه بأن الله عادل فقضاء الله ليس هباءً منبثا فتدبيره لا يدركه العقل البشري…هذه كانت بعض أمثلة من المعاصي والتجرئات.
لو كل إنسان استحضر القاعدة قبل أي فعل لكان سببا لنجاته دنيا وآخرة بعد قضاء الله عز وجل، فالله يفعل كما يشاء لكن علينا بالمحاسبة وزجر النفس وعدم اتباع الهوى وامتثال أمر الله عزو وجل ورسول صلى الله عليه وسلم، فالكل يشرب من نفس الكأس عاجلا أو آجلا.
وقائع من الحياة:-
قد يعيب الإنسان غيره بشيء فسرعان ما يجده في نفسه ويندم بعد فوات الآوان لتسرعه وعدم تفكيره فلم يضع قاعدة “الجزاء من جنس العمل نصب أعينه”
أمثلة من واقع الحياة:-
1ـ «الخليل إبراهيم عليه السلام»: من الأمثلة العملية التي تدل على تحقق هذه القاعد ما كان مع الخليل إبراهيم عليه السلام، ذلك الرجل الذي قام بدين الله عز وجل خير قيام فقدم بدنه للنيران وطعامه للضيفان وولده للقربان.
فإنه لما صبر على البلاء في ذات الله عز وجل وألقاه قومه في النار كان جزاؤه من جنس عمله : (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (الانبياء:69) .
ولما سلم قلبه من الشرك والغل والأحقاد كان جزاؤه من جنس عمله ( سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ )(الصافات:109).
ولما هاجر وترك أهله وقرابته ووطنه أسكنه الله الأرض المباركة ، ووهب له من الولد ما تقر به عينه (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ . وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ) (الأنبياء:71ـ 72).
ولما بنى لله بيتا في الأرض يحجه الناس رآه النبي صلى الله عليه وسلم مسندا ظهره إلى البيت المعمور قبلة أهل السماء الذي يطوف به كل يوم سبعون ألف ملك.
ولما صبر الخليل عليه السلام على تجريده من ثيابه على يد الكفار كان جزاؤه من جنس عمله فإن : ” أول من يكسى من الخلائق يوم القيامة إبراهيم ” ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
2ـ أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها
زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أحسنت صحبته ، وواسته بنفسها ومالها ، وكانت من السابقين إلى الإسلام ، فقد جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول له :” بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب “، والقصب هو اللؤلؤ ، فبيتها في الجنة من قصب نظرا لما كان لها من قصب السبق إلى الإسلام ، ثم هو بيت لا صخب فيه ولا نصب ؛ ذلك أنها لم تتلكأ في إجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لم تحوجه إلى كلام كثير أو رفع صوت ، فكان جزاؤها من جنس عملها رضي الله عنها وأرضاها.
3ـ النمرود بن كنعان
وعلى الجانب الآخر نرى تحقق نفس القاعدة في أعداء الله الكافرين والمنافقين ، فهذا النمرود بن كنعان الذي قال: أنا أحيي وأميت ، وظل مئات السنين يقول للناس: أنا ربكم الأعلى ويتكبر عليهم ، سلط الله عليه بعوضة دخلت في أنفه ـ والأنف رمز العزة والشموخ ـ ثم تسللت إلى دماغه فسببت له وجعا كان لا يشعر براحة إلا إذا ضربه من حوله بالنعال والمطارق على رأسه ( جزاء وفاقا).
أذكر نفسي وأذكركم بتقوى الله عز وجل في كل أمر بمحاسبة النفس، وزجرها، وتأديبها فلم تقوى ولم تتأدب إلا بعون الله عز وجل تدبر آياته الجليلة فهمها، العمل بها، فالقرآن هو الحبل الذهبي الذي لا يوجد غيره في حياتنا، يقول الله تعالى “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا” فهلا نحاسب أنفسنا ونتمعن قبل أي كلمة أو موقف أمامنا، فمن نعم الله عز وجل السيئة بالسيئة لكن الحسنة بعشرة أمثالها، عزيمة إرادة عون من الله تمسك بالسنة سنحيا كراما سنغدوا رفاتا سنقوى على إتباع النفس الأمارة بالسوء ،الهوى، الشيطان .
اللهم إنا نسألك الصلاح والنجاح والفلاح والعفاف والغنى
اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك وما كان من تقصير فمني ومن الشيطان.
والله أعلم