سيناريو انقلابي جديد في تركيا بالاميرالات البحرية

علي الشيخ5 أبريل 2021آخر تحديث :
سيناريو انقلابي جديد في تركيا بالاميرالات البحرية

بقلم : عمر أبو الحسن الباحث في الشئون التركية

استيقظت تركيا اليوم على مسرحية أخرى من مسرحيات الانقلابات المزعومة التي دائمًا ما تتشدق بها السلطة السياسية التي يقودها حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في سعيه نحو زيادة شعبيته المنهارة جراء الأوضاع الاقتصادية الهشة والقلاقل التي يشهدها ملف حقوق الإنسان في تركيا واعتقال نائب حزب الشعوب الديمقراطي، عمر فاروق جرجرلي أوغلو، إلى جانب الانسحاب من اتفاقية إسطنبول المناهضة للعنف ضد المرأة والعنف الأسري.

 

حيث شهدت تركيا ليلة ساخنة مع إصدار 103 أميرالات بحريين متقاعدين، بياناً رفضوا فيه عزم الحكومة على تنفيذ مشروع قناة إسطنبول المائية التي تصل البحر الأسود ببحر مرمرة بشكل موازٍ لمضيق البوسفور، وتناول اتفاقيات دولية معنية بالمضائق البحرية.

وتضمّن البيان تهديداً وإدانة للمساعي الحكومية، على اعتبار أنها تخرج بالقوات المسلحة والقوات البحرية عن قيمها وعن الخط الذي رسمه مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية، وحمل البيان تاريخ اليوم الأحد، واستدعى ردود فعل كبيرة من أركان الحكومة وحزب العدالة والتنمية الحاكم.

 

اتفاقية مونترو وقناة إسطنبول

جاء في البيان الذي فجر جدلًا واسعًا على الساحة السياسية في تركيا، مع تناول رواد مواقع التواصل الاجتماعي البيان، والحديث عنه على أنه تهديد بانقلاب عسكري، كما قالت الرئاسة في ردها على البيان: «أيها الشعب التركي العظيم، أخيراً كان هناك حديث عن قناة إسطنبول المائية وإلغاء اتفاقيات دولية، ومنها اتفاقية مونترو (1936 اتفاقية المضائق)، وهذه المناقشات تشعرنا بالقلق».

وأضاف البيان: «المضائق البحرية التركية تعتبر أهم المعابر المائية في العالم، وأديرت باتفاقيات دولية متعددة الأطراف سابقاً، ومن نتيجة الاتفاقيات اتفاقية مونترو التي تحمي حقوق الشعب التركي بأفضل شكل، من خلال السيطرة التركية على المضائق بشكل كامل، وكذلك اتفاقية لوزان (1923 اتفاقية الصلح) التي تكمل هذا النصر الدبلوماسي، وشكّلت الاتفاقية البحر الأسود بحراً للسلام للدول المطلة عليه».

وأوضح البيان أن: «اتفاقية مونترو تمنع تركيا في حال نشوب أي حرب أن تكون مع أحد أطراف الحرب، ما وفر لتركيا حق الحياد في الحرب العالمية الثانية، ولكل ما سبق، فإنه يجب الابتعاد عن نقاش اتفاقية مونترو أو تناوله بشكل قطعي».

وترفض المعارضة التركية تنفيذ الحكومة مشروع قناة إسطنبول المائية، كما ترفضها الدول الكبرى في العالم، حيث ترى الحكومة أن القناة توفر سيادة للبلاد، وتدرّ أموالاً على تركيا في الوقت الذي تعتبر فيه المضائق حالياً معابر مائية دولية مفتوحة، ويحق لتركيا إغلاقها في وقت الحرب فقط.

وأعرب المتقاعدون العسكريون، في بيانهم الذي تناقلته وسائل إعلام محلية، عن قلقهم إزاء النقاش حول اتفاقية «مونترو»، التي تنظم العلاقة بين سيادة البلاد على مياهها، وحرية الملاحة بالنسبة للدول الأخرى.

واعتبر الموقعون على البيان أن النقاش في وسائل الإعلام وأروقة صنع القرار يأتي في ضوء مضي البلاد في تنفيذ مشروع «قناة إسطنبول» المائية، التي تهدف إلى توفير بديل ملاحي لمضيق البوسفور، يصل بين البحرين الأسود ومرمرة.

كما يأتي ذلك، بحسبهم، في وقت قامت فيه أنقرة بالفعل من الانسحاب من اتفاقية دولية، في إشارة إلى «اتفاقية إسطنبول»المعنية بوقف العنف ضد المرأة، والتي اعتبرت تركيا أنها لم تفلح بتحقيق ذلك.

وقال بيان العسكريين المتقاعدين إن المضائق التركية هي من أهم الممرات المائية في العالم، مشددا على أن «مونترو» هي الكفيلة بضمان حقوق البلاد فيها بأفضل طريقة.

وأضاف الموقعون أن مونترو هي الوثيقة الأساسية الضامنة لأمن البلدان المشاطئة للبحر الأسود، وهي «العقد الذي يجعل البحر الأسود بحر سلام»، ومكّنت البلاد من الحفاظ على حيادها خلال الحرب العالمية الثانية.

واعتبر البيان أن القوات المسلحة، وخاصة البحرية، تعرضت في السنوات الأخيرة لهجوم من قبل تنظيم «غولن»، وإلى «مؤامرات غادرة»، مشددا على ضرورة أن يكون الدرس المستفاد هو الحفاظ بجد على القيم الأساسية للدستور التي لا يمكن تغييرها أو عرض تغييرها.

الدستور

سرد البيان عدم ارتياح الموقعين عليه من «مناقشات تغيير الدستور، حيث إن الجيش يرفض تغيير الدستور، ولا يمكن تناول مسألة كتابة دستور جديد، بل على العكس فإن شعار الجيش هو ضرورة استمرار العمل بالدستور دون تغيير، ولكل ما سبق فإن البلاد خرجت من قيم الجيش والقوات البحرية، والخط العصري الذي رسمه أتاتورك، وهو أمر مدان ونقف ضده، وعلى العكس من ذلك فإن مسألة بقاء تركيا ستتعرض للمخاطر وعبر أمثلة واضحة في التاريخ”، وحمل البيان أسماء الموقعين.

 

ردود أفعال السلطة

على الفور، ردت الحكومة وقيادات من حزب العدالة والتنمية الحاكم على البيان، حيث أفاد رئيس دائرة الاتصالات في رئاسة الجمهورية، فخر الدين ألتون عبر تويتر: «الشعب أظهر للصديق والعدو في 15 يوليو من عام 2016، كيف داس على الانقلابيين، اعرفوا حدودكم».

وأضاف: «تداعى عدد من المتقاعدين على إصدار بيان أثار حماسة الطابور الخامس فوراً، اجلسوا مكانكم، تركيا القديمة التي تتحدثون عنها باتت في الماضي، تركيا دولة قانون فمن أنتم، وبأي حق تشيرون بأصابعكم إلى إرادة الشعب الشرعية، تركيا دولة قانون لا تنسوا ذلك، ولن تستطيع قوى الوصاية التسبب بأي ضرر للديمقراطية».

من ناحيته، قال رئيس البرلمان التركي مصطفى شنتوب عبر تويتر، «أنتج عدد من المتقاعدين الذين لم يظهروا قط في كفاح البلاد مع الأعداء في الجبهات داخل البلاد وخارجها، أجندة من عندهم ليعملوا على سمسرة الفوضى في البلاد، الشعب البطل دفن كل الانقلابيين في التراب في 15 يوليو، فالتعبير عن الرأي يختلف عن الدعوة إلى الانقلاب وإعداد البيانات».

أما وزير الداخلية، سليمان صويلو، فقال عبر تويتر أيضاً، «الشعب التركي يحب لباس الجيش ويعتبره كرامته، وبعد التقاعد تزداد الكرامة أكثر ويظهر الارتباط بالديمقراطية والدولة والشعب، وكل من يحترم هذا يتم ذكره بالشكر دائماً، وماذا عن البقية؟».

وقال نائب أردوغان في الحزب نعمان كورتولموش، «يسعى محبو تركيا القديمة ونظام الوصاية عبر بيان مزعوم بإعطاء دروس للشعب في السياسة، لكن تلك العهود ولّت، اعرفوا حدودكم، واعلموا أن الشعب حمى إرادته الشعبية ودولته وديمقراطيته بعد أن دفع بدل ذلك».

وفي ذات السياق، انتقد زعيم حزب الحركة القومية وحليف الرئيس التركي، دولت بهتشلي، البيان الذي أصدره 103 أدميرالات متقاعدين في البحرية التركية، مساء أمس السبت، طالبوا فيه أنقرة، بأن تحافظ على التزامها باتفاقية «مونترو»، الخاصة بحركة المرور في البحر الأسود، التي مكنتها من سلوك دور حيادي في الحرب العالمية الثانية.

وقال بهتشلي، في تغريدة له عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، «حزب الحركة القومية يدين ويرفض بشدة إعلان الوصاية المناهض للديمقراطية والمليء بالتهديدات الذي وقعه 103 من الأدميرالات المتقاعدين»

وتابع بهتشلي: «في هذا السياق فإن الإجراءات التي يجب اتخاذها فورًا حسب رأي حزبنا هي كالتالي: يجب تجريد الأدميرالات الذين وقعوا على الإعلان، المعد بأسلوب المذكرة والصادر عند منتصف الليل، من رتبهم. يجب إلغاء حقوقهم التقاعدية، وقطع معاشاتهم التقاعدية. يجب إجراء تحقيق قضائي وإداري متعدد الأوجه ضد هذا البيان المعلن».

وأردف بهتشلي: «بالإضافة إلى ذلك، يجب التحقيق بدقة في الجهة التي تقف خلف وأمام ذلك البيان المنشور بتوقيعات 103 أميرالات من محبي الوصاية، ويجب التحقق من هوية من انغمس في هذا العار وتحديده. الموضوع هو الوطن، القضية هي الديمقراطية، القضية هي الإرادة الوطنية. ستكون تكلفة التهاون أو التأخير باهظة بلا شك».

الاخبار العاجلة