أول لوحاتي كانت على الجدران داخل منزل الأسرة.. حوار مع الفنان التشكيلي عادل عبد الرحمن

ياسمين درويش12 سبتمبر 2021
الفنان التشكيلي عادل عبد الرحمن

يعد الدكتور عادل عبد الرحمن فنان تشكيلي وأكاديمي تربوي وناقد تشكيلي، ولد في حي شبرا بالقاهرة عام 1958، تخرج من كلية التربية الفنية عام 1982، وتدرج في مراحله التعليمية حتى أصبح رئيس قسم التصميم الجرافيكي بكلية التربية الفنية جامعة حلوان.

صدر له قرار من وزير الثقافة 2015 رئيسا لقطاع الفنون التشكيليية بوزارة الثقافة ، عضو المجلس الأعلى للثقافة ، مدير مصر والشروق الأوسط لتاريخ الفن ، ميلانو- إيطاليا، عضو بالأكاديمية الدولية الأوروبية للعلوم ، هانوفر – ألمانيا .

حوار:ياسمين درويش
 
حدثنا عن طفولتك، وكيف ساهمت في بروز موهبتك الفنية ؟ 

منذ نعومة أظافري كنت محبا للتعبير عن نفسي والإفصاح عن أفكاري ، وكان معظم الآباء والأمهات آنذاك لا يقيمون وزنًا للرسم أو الفن ويعتبرونه مضيعة للوقت ، ومع ذلك كنت دائم عمل رسوم واسكتشات لوجوه أفراد الأسرة والأقارب والطيور والحيوانات وكل شيء في الطبيعة يلفت نظري أو يقع بصري عليه ، حتى داخل الفصل كنت دائم رسم المدرسين والزملاء بالقلم الرصاص والأقلام الملونة والفحم ، ولم تكن الخامات متوفرة ، فاتجهت إلى تحويل أي شيء يقع في يدي إلى عمل فني كأنابيب معجون الأسنان المعدنية ، وزجاجات البلاستيك وقطع الزجاج والسيراميك والزلط والشمع ومخلفات أي شيء .

الدكتور عادل عبد الرحمن
الدكتور عادل عبد الرحمن
ما هي أول لوحة لك ؟ 

أول لوحاتي كانت على الجدران داخل منزل الأسرة وعلى الأبواب الخشبية في مرحلة الطفولة ، وطبعا كأي طفل لم أكن مدرك أنني مزعج للأسرة ، وكانت محاولات لرسم وجوه أشخاص أعرفهم ، ثم انتقلت إلى رسم عناصر مفككة ثم موضوعات ، وكنت مغرم بالموضوعات العسكرية وحرب أكتوبر والعمال والفلاحين والأمومة والطبيعة والزخرفة ، وعُرفت في المدارس التي درست فيها من المرحلة الإبتدائية حتى الثانوية بالفنان ، وطُلب مني رسوم مكبرة على لوحات خشبية للمسابقات ووضعها على جدران المدرسة ، وكان الفضل في اكتشاف موهبتي وبلورتها لمدرسي التربية العملية وتشجيعي في حصص المجالات .

مما تستوحي أفكار لوحاتك الفنية ؟

أنا فنان مصري ، أعتز بتراثي وحضارتي العظيمة الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ الإنساني ، إنه تراث غني بالقيم والعناصر وفلسفة الفكر والألوان التي لا مثيل لها في أي مكان في العالم ، إلا أنني درست في أكاديمية الفنون الجميلة بألمانيا ، كما تجولت وتمت دعوتي لمشاركات ثقافية في العديد والعديد من دول العالم في الشرق والغرب ، مثل روسيا وصربيا وتركيا واليونان وإيطاليا والسعودية والجزائر وعمان وقطر والعراق .. وغيرهم ، لأصبح مزيجا من ثقافة الشرق أوسطية والغربية والأسيوية ، لتخرج أعمالي لتجمع بين هذا التراث المصري العظيم وفنون العالم المتنوعة .

الفنان هو نتاج الدراسة الأكاديمية أم هو نتاج أفكاره الشخصية ؟

الفن فطرة أو موهبة ربانية أو استعداد ، والدراسة الأكاديمية تعمق خبرات الفنان ، وذلك حينما يدرس تاريخ الفن وتطوره عبر العصور ، ويتعرف على النظريات المختلفة مثل نظريات اللون ونظريات الإدراك وميكانيزم تلقى العمل الفني فسيولوجيا وسيكولوجيا، لكن الدراسة الأكاديمية وحدها لا تصنع فنان ، وليست شرطا لصنع الفنان، فهناك فنانون متميزون لم يدرسوا قط .

ما الذي يميز فنان تشكيلي عن آخر ؟ 

الأصالة والفرادة هما أهم ما يميز فنان عن الآخر ، فالفنان الحقيقي هو صاحب بصمة ولا يقلد أحد ، بل له أسلوبه المميز وتقنياته الفريدة وفكره الخاص ورسالته المحددة التي ينقلها إلى المشاهدين محافظا على هويته .

لكل ناجح تحديات تواجهه.. فما التحديات التي واجهت الفنان عادل عبد الرحمن في رحلته الفنية ؟

أنا بطبيعتي أقتحم الصعاب ولا أستسلم لأي تحديات أو صعوبات ، أنظر دائما أمامي وأتجه نحو الهدف ساعيا نحو تحقيقه ،أحاول تحويل السلبيات إلى طاقة إيجابية تزيد من إصراري، والصعوبة الأساسية كانت اعتقاد كثيرين أن الفن هو شيء غير مهم مقارنة بالمواد الأخرى التي يجب دراستها ، إلى جانب الاهتمام المحدود من جانب المجتمع بقيمة الفن وما يمكن أن يحققه لخدمة البشرية .

ما هي اللوحة التي تعد خطوة فاصلة بين الفن كموهبة وبينه كإبداع ؟

الإنسان الموهوب يمكن أن يبدأ حياته بنقل بعض أعمال الفنانين الرواد ، لكن هذه المرحلة يجب أن تتحول تدريجيا إلى اعتماد الموهوب بشكل كامل ومطلق على قدراته وإمكانياته وخبراته وثقافته ، ليكسر هذا الإطار وتصبح له بصمته الخاصة وفكره وفلسفته وموضاعاته التي تجعل فنه غير مقلدا، بل إبداعا فريدا .

هل هناك وقت معين للرسم يفضله الفنان عادل عبد الرحمن ؟

أرسم عندما أشعر أنني يجب أن أرسم ، عندها أمسك بالأدوات والألوان وأبدأ في التعبير عن فكرة ما أو موضوع ما يشغلني، فتنطلق حواسي لتعبر عن أحاسيسي ومشاعري ، أحيانا بطريقة حرة تماما ، و في أحيان أخرى بعمل مجموعة تجارب أو ما يسمى اسكتشات قبل التنفيذ الأخير ، و في الغالب يخرج العمل على غير المتوقع .

حدثنا عن آخر لوحاتك الفنية؟ وكيف تحولت إلى أزياء وتطبيقات عالمية ؟

آخر لوحاتي هى لوحة “تراثنا هويتنا” ، بناءً على دعوة من وزارة الثقافة والدكتور خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة والدكتور أحمد رفعت قومسير المعرض في دورته الـ42 ، لتمثيل الفن المصري المعاصر ، وقد أنجزت اللوحة بألوان الأكريليك على توال في مساحة 150 في 150 سم ، وثمثل اللوحة احتفاءً بالتراث الشعبي المصري عامة والنوبي بشكل خاص ، في تكوين فريد ومعاصر يجمع عناصر التراث في سيمفونية بصرية وإيقاع تتطرب له العين ويشبع حواس ومشاعر المتلقي ، وباعتبارى أستاذًا ورئيسًا لقسم التصميم بكلية التربية الفنية بجامعة حلوان لسنوات عديدة ، واستشاري لعديد من مؤسسات التصميم العالمية ، فقد قمت بإنتاج آلاف التصميمات التي يمكن تطبيقها فى الحياة اليومية : كأزياء أو حقائب للسيدات أو شموع أو إكسسوارات .. أو غيره ، وهناك مواقع عالمية تعرض تصميماتي ومنتجاتي على صفحات خصصت لي.

الدكتور عادل عبد الرحمن ووزيرة الثقافة
الدكتور عادل عبد الرحمن ووزيرة الثقافة
في رأيك.. هل يأخذ الفنان التشكيلي قيمته في مصر ؟

مع الأسف هناك مشكلات عديدة تحاصر الفنان التشكيلي المصري وتؤثر بالسلب على استمراره في الإبداع ، منها : عدم وجود نقابة قوية تمثل له مظلة تأمين صحي واجتماعي لحياته وحياة أسرته ، عدم وجود أماكن تسمح له ولأسرته بالترفيه أو الرياضة ، ارتفاع أسعار الخامات والأدوات بشكل جنوني بما لا يتناسب مع صعوبة بيع لوحاته وتعويض خسارته ، حتى اقتناء وزارة الثقافة في حدود ضيقة جدا ، ولا تتوفر قاعات العرض التي تسمح له بعرض إبداعاته ، ولا تتوفر فاعليات وداعمين لاقتناء أعمال الفنانين مثل البنوك والمؤسسات الخاصة ، تضاؤل إمكانيات المؤسسات المعنية بالفنون مما يصعب سفر الفنانين في الفعاليات الخارجية ، وضعف المنح وعدم إيفائها بحاجات الفنانين ، عدم اهتمام وسائل الإعلام بالفنان التشكيلي وحياته وإبداعاته .

ما هي المعارض التي شاركت فيها ؟ 

أقمت أكثر من أربعين معرضا خاصا حول العالم ، في مصر وألمانيا والنمسا و روسيا و صربيا و تركيا و اليونان والسعودية والجزائر والعراق وعمان وقطر … ، إلى جانب إصدار قرارات من وزراء الثقافة كقومسير في عدد من المعارض العالمية ، إلى جانب مشاركتي في أكثر من 300 فاعلية ثقافية حول العالم ( معارض مشتركة ، سمبوزيومات ، ورش عمل ، محاضرات ، مؤتمرات ، ندوات … إلخ ) .

الفنان التشكيلي عادل عبد الرحمن
الفنان التشكيلي عادل عبد الرحمن
وهل تعد لمشاريع مستقبلية ؟

تعودت على السفر بناءً على دعوات من دول خارجية ، ولقد تمت في عام 2019 دعوتي من ثلاث دول للمشاركة في فعاليات ثقافية هامة ، و تم تكريمي في روسيا من وزارة الثقافة رئيسا للوفد المصري ، وحصولي من جامعة بابل بالعراق على وسام الإبداع الدولى كرئيس الوفد المصري ، وتكريمي من كلية مسقط والسفير المصري والمستشار العسكري المصري بسلطنة عمان ، أما بعد الكورونا فقد تصعبت الأمور وأصبحت معظم الفعاليات أون لاين ، وفي عام 2020 أصدرت وزارة الثقافة الصربية كتابا بعنوان ( سفير الفن – عادل عبد الرحمن ) ، وأستعد لعمل الطبعة الثانية من الكتاب وعمل حفل توقيع بمكتبة الإسكندرية في حضور سفير صربيا في مصر .

في رأيك.. هل تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورا في صعود الفنان التشكيلي أو هبوطه ؟

وسائل التواصل الاجتماعي هي تطور طبيعي للاختراعات وعصر التكنولوجيا ، لها ما لها وعليها ما عليها ، فهي سلاح ذو حدين ، حيث أصبحت أعمال الفنان مرصودة عالميا وليس محليا فقط ، أراد ذلك أم لم يرد ، ما وضع الفنان في دائرة الضوء والانتشار على نطاق واسع ، وفي ذات الوقت اختلط الحابل بالنابل ، فأصبح أي شخص يطلق عليه فنان و أي شخص يطلق عليه ناقد دون نظام أو ضوابط .