تعد مملكة تدمر من أشهر الممالك العربية التي قامت في منطقة شمال شبه الجزيرة العربية والتصقت بها صفة التجارة، فهي أبرز المحطات التجارية الواقعة على طريق التجارة ما بين أراضي العراق والشام، وقد اكسبها موقعها بين القوى العظمى في العالم مكانتها الكبيرة، وترصد لكم “الانطلاقة نيو” في السطور التالية صفحة من تاريخ مملكة أرض النخيل.
موقع مملكة تدمر
تقع مملكة تدمر -تلك المحطة التجارية المميزة- على طرف البادية الفاصلة بين أراضي الشام والعراق، على بعد ما يقرب من 165 كم عن مدينة حمص، و150 كم عن مدينة دمشق، وقد اكسبها هذا الموقع المتميز أهميتها في التاريخ، حيث مثل موقعها موضع التقاء تجارة الشرق، فكانت تمر بها صادرات بلاد العرب والعراق وإيران والهند المتجهة إلى مصر وكذلك جنوب أوروبا.
مدينة تدمر وقد اكسبها ما تحويه أرضها من آبار عذبة وكذلك مجاري مياه معدنية ثقل آخر، فازدهرت تلك المحطة التجارية حتى صارت مدينة غنية عامرة بخيراتها، وتركت لنا تاريخًا وفنًا وأثرًا.
عوامل ازدهار مملكة تدمر
يمكننا أن نصنف العوامل التي أدت إلى ازدهار مدينة تدمر إلى صنفين:
العوامل السياسية
إن الموقع المتميز لمدينة تدمر أكسبها ثقلًا سياسيًا كبيرًا فوقعت بين القوى العظمى الكبرى في العالم آنذاك وهما الرومان والفرس، اللذان كانا يحاولان فرض سيطرتهما عليها، ولكن أنقذها الموقع ذاته، فوقوعها في قلب الصحراء مكنها من المحافظة على استقلالها وتوازنها في الشرق، وبالتالي عجزت القوتان عن إخضاعها والوصول إليها، فلم يتعاملا معها بالقوة المفرطة ولكن تعاملا معها بدبلوماسية وليونة، وهذه السياسية التي اعتمدت عليها الإمبراطورية الرومانية في تعاملها مع مدينة تدمر، الأمر الذي جعل روما بنفوذها تتود إلى قبائل تدمر وترسل إليهم الهدايا والوفود.
أما العامل الثاني الذي أدى إلى ازدهار مدينة تدمر هو سقوط دولة الأنباط، وذلك تجسيد لما قاله المتنبي ” مصائب قوم عند قوم فوائد” فإن سقوط دولة الأنباط على يد الإمبراطور الروماني “تراجان” عام 106 ق.م ساعد على ازدهار مدينة تدمر تجاريًا إذ حلت محل مدينة البتراء التي كانت بمثابة واحدة من أهم مدن التجارة.
العوامل الجغرافية
قد أشرنا إلى مدى تأثير العامل الجغرافي على مكانة مملكة تدمر، فقد اكسبها موقعها سلطة تجارية كبيرة، جعل منها المتحكمة في التجارة، فكانت تمر بها تجارة الشرق كله، فصارت بذلك تدمر قبلة لكافة القوافل التجارية القادمة من الهند والعراق وبلاد العرب والمتجهة إلى مصر ومنطقة جنوب أوروبا، وخاصة إبان الفترة التي تمتد من القرن الأول ق.م وحتى عام 273م.
ممكلة تدمر.. ما هو أصل الاسم؟
أما فيما يتعلق بأصل اسم مملكة تدمر، فهو اسم سامي، وهو النطق الآرامي لكلمة “تتمر” العربية والتي تعني المدينة التي يكثر فيها التمر والنخيل، وهناك من يرى صلتها بكلمة “تدمورتا” السريانية والتي تعني “يعجب من”
وإذا تتبعنا ظهوره في التاريخ نجده يظهر لأول مرة في الأناضول في مستعمرة آشورية تدعى “كانيش” داخل نصوص حاكمها، وكذلك ورد ذكرها في حوليات من عهد الملك الآشوري ” تجلات بلاسر الأول” وينبغي هنا أن نشير لمملكة آشور.. المملكة التي خرجت من شمال العراق وغزت العالم.
وقد جمع البعض بين أهل مملكة تدمر والملك نبوخذ نصر، فذكروا أنهم ساعدوه في هجومه على القدس من خلال ثمانية ألف من الرماة.
بالميرا palmyra
“بليميرا مدينة مشهورة بسبب وضعها، وغنى تربتها وينابيعها السائغة، إن حقولها محاطة من كل جانب بدائرة هائلة من الرمل وهي كما لو عزلتها الطبيعة عن العالم”
هذا ما قاله المؤرخ بليني واصفًا مملكة تدمر، التي سحرت أعين الكتُاب الكلاسيك، فذكرها بمسمى بالميرا، تُرى ما الذي يعنيه هذا الاسم؟
إن لفظة بالميرا هي المسمى اليوناني للمدينة، والذي يشار به إلى النخيل في اللغة الأثينية، لذا فإنها أرض النخيل حتى في الفكر اليوناني، وروى البعض رواية أخرى بأن الإسكندر هو من سماها بهذه التسمية بعد أن دخلها ورأى ما بها من غابات النخيل.
زنوبيا أول ملكة عربية تُسك العملة باسمها
زنوبيا ملكة مملكة تدمر جلست على عرش تدمر ملكة عربية تمكنت من تهديد الإمبراطورية الرومانية بقدرها، ملكة كان لها من الطموح ما دفعها للتطلع إلى فتح مصر، الزباء أو زنوبيا، أحد أشهر ملكات التاريخ.
زنوبيا ملكة مملكة تدمر ملكت الزباء عرش مملكة تدمر وحازت على الوصاية على ابنها “وهب اللات” وقد كانت امرأة استثنائية حق لها أن تُخلد في التاريخ لما تمتاز به من ذكاء وقوة وجمال، فكانت تجيد اليونانية والآرامية، مطلعة على تاريخ الغرب وكذلك الفلسفة الأفلاطونية، بالإضافة لما اتصفت به من شجاعة وجرأة دفعت تلك المرأة لارتداء الزي العسكري وركوب الخيل في مقدمة الجيش.
كانت الزباء تدير شئون مملكة تدمر عندما يخرج زوجها إلى الحرب، وحين تولت الحكم أبصرت خطر الرومان الواقع على مملكتها، مما دفعتها للتفكير في تدعيم دولتها والاستقلال عن أي تبعية للرومان، فأدركت أن الاستقلال لا يأتي سوى من جيش قوي، فبدأت في تطوير الجيش وزيادة عدده، فضمت إليه جنودًا من مدن الفرات وأبناء القبائل غرب تدمر بعد أن كان مقتصرًا على أبناء تدمر فقط، ولا عجب أن قولنا أن زنوبيا أعلنت نفسها ملكة على الشرق.
[posts posts_per_page=”3″ order_by=”date” terms=”” author=””]