تقرير : محمد محمد محسن
مع بداية انفراج جائحة كورونا جزئيا في منتصف صيف 2020 ، و بالتزامن مع تكثيف التجارب و الأبحاث العلمية للتعرف على طبيعة الفيروس خاصة فيما يتعلق بموسمية انتشاره .
حيث تسارعت خطى المجتمع الدولي مجددا لمجابهة موجة ثانية من كورونا يشاع عنها أنها أشد فتكا و أوسع انتشارا من سالفتها مما يعني تجدد التحدي أمام جميع دول العالم ثانية .
– حقيقة الموجة الثانية
كانت قد أشارت نتائج دراسات علمية عدة إلى أن العالم ينتظر موجة ثانية متوسعة الانتشار من فيروس كورونا ، و توقعت ظهورها المبدئي في الفترة ما بين يوليو إلى أكتوبر من العام الجاري ، فيما وصفتها بعض الدراسات الأخري بأنها مجرد استمرار للموجة الأولى ، لكن المؤكد أن الأزمة المتعلقة بإنتشار فيروس كورونا مستمرة إستنادا إلى إستمرار تسجيل عدد من الدول إصابات و وفيات بكورونا .
حيث جاء مصطلح الموجة الثانية إستنادا إلى تاريخ الفيروسات و الأوبئة العالمية التي عانتها البشرية كالإنفلونزا الإسبانية التي ضربت دول أوروبا في العقد الثاني من القرن العشرين ثم عادت لتغزو العالم في موجة ثانية أودت بحياة 100مليون شخص حول العالم.
و بصفة عامة بالنظر إلى ما يشهده عدد كبير من الدول بإعادة فتح مستشفيات العزل بعد إغلاقها و إرتفاع معدلات الإصابة في دول أخري كانت قد تراجعت فيها الأعداد بصورة كبيرة يمكن القول بأن الموجة الثانية من “كوفيد-19” تستحق الترقب و التأهل .
– الموجة الثانية بالدول التي نجحت في مواجهة الموجة الأولى
صنفت عدة دول كنماذج نجاح في التعامل مع الأزمة ، و منها كوريا الجنوبية والتي صدرت دروسا مستفادة من الموجة الأولى لتحسين الأداء في الموجة الثانية ، و أهمها أن عدم حصر حالة واحدة قد يؤدي إلى سرعة انتشار كبيرة و إرتفاع حاد على مستوى الإصابات، لذا ركزت حكومة كوريا الجنوبية على زيادة أعداد المسحات و توسيع مجالات تغطيتها الجغرافية ، و أيضا تنتهج سياسة تتبع المرضى و دراسة احتمالات الإصابات من خلال التحديث المستمر لقواعد بيانات الإصابات . فضلا عن ذلك ، تدشن الحكومة و المنظمات الأهلية حملات التوعية . و إجمالا تستمر حكومة كوريا الجنوبية في تبني كل الإجراءات التي تم تطبيقها في الموجة الأولى لانتشار “كوفيد-19” .
بينما كانت دولة اليابان تعول بصورة أساسية على وعي الأفراد و خبراتهم المكتسبة حول كيفية الوقاية من العدوى بفيروس كورونا ، فقد أطلقت طوكيو حملة تشجيعية للسياحة الداخلية كمحاولة للتعافي الاقتصادي جراء توقف كافة الأنشطة الاقتصادية نتيجة الموجة الأولى ، و رغم ما يشاع عن الموجة الثانية لكورونا تستمر الحكومة اليابانية في العمل على إعادة الحياة الاقتصادية لطبيعتها و مستندة على الثقافة اليابانية التي تنطوي بالفعل على مظاهر للتباعد الإجتماعي .
كما تضم قائمة النماذج الناجحة أيضا دولتي هونج كونج ، و تايوان ، و هي نماذج قررت استمرار التطبيق الحازم لإجراءات التصدي لفيروس كورونا ، ففي هونج كونج كانت هناك قرارات ملزمة بإغلاق المدارس و معظم الحدود مع الصين مطلع يناير 2020 و التعامل بحزم في إجراءات العزل و الحجر الصحي ، فضلا عن سن تشريعات قانونية لإلزام كل من يؤدي خدمة بإتخاذ كل من يؤدي خدمة بكافة الإجراءات الإحترازية .
كما أعلنت الاستمرار في ذلك حال صعود الموجة الثانية ،
بينما قامت دولة تايوان بالحصر الشامل لمواطنيها من خلال قواعد بيانات تمكن الحكومة من تتبع المواطنين و الأجانب المقيمين و من ثم يمكن التعرف على تحركات المواطنين ومدى قربهم من بؤر انتشار الفيروس التي يتم حصرها تباعا و هي إجراءات مكلفة و معقدة ساعد في تطبيقها المستوى الإقتصادي ، و محدودية عدد السكان بتايوان .
و في أوروبا تواجه عدة دول تحديات تؤكد دخولها بالفعل في الموجة الثانية لانتشار “كوفيد-19″ حيث أن الأعداد التي سجلت في أغسطس أخذة في التزايد في كل من ألبانيا و بلغاريا و رومانيا ، و تعاني دول أخرى في الموجة الثانية بدرجة أكبر من الموجة الأولى منها كرواتيا و اليونان و مالطا أما الدول التي هتك بها الفيروس في وهي بلجيكا و ايطاليا و المملكة المتحدة فقد زادت أعداد المصابين بها مرة أخرى و تخطت بعض الدول المستويات القصوى أو نقاط الذروة حتي إن فرنسا سجلت في نهاية أغسطس الماضي (7379) إصابة والتي تعد الأكبر على الإطلاق في السجلات الفرنسية .
و بالانتقال إلى ألمانيا نجد أنها تعد من بين الدول التي نجحت نسبيا في إحتواء إنتشار فيروس كورونا و تداعياته على جميع الأصعدة ، و ترى الحكومة الألمانية أن الموجة الثانية من”كوفيد-19″ يمكن إحتواؤها بإجراءات أقل صرامة مثل الحفاظ على التباعد الاجتماعي و إلتزام قواعد العناية الشخصية ما دام لا يوجد علاج فعال ل” كوفيد-19″
و بشكل عام منذ شهر مايو الماضي حينما ظهرت إرهاصات نهاية الموجة الأولى من “كوفيد-19” في أوروبا رصد الإتحاد الأوروبي خطط إستعداد و مواجهة في حالة تفشي موجة ثانية من ذات الوباء ، حيث عززت الدروس المتعلمة خطط التصنيع الدوائي أملا في توفير عرض كاف من الأدوية ، على أن تقوم الحكومات بإعفاء جهات التصنيع و الإمدادات في قطاع الأدوية من أي حظر أو تحديد لساعات عملها ، إضافة إلى السير قدما على أي طريق يسهم في رفع التنافسية ، مع الوضع فى الاعتبار أن قطاع التصنيع الدوائي مستثني من أي قيود على حركة العمالة بين الحدود الأوروبية ، وإعطاء هذا القطاع الأولوية في خدمات الشحن و التوريد و النقل البري و البحري و الجوي .
بشكل عام تبدو الدول التي صنفت على أنها نماذج ناجحة في مواجهة الموجة الأولى أكثر ثقة في التعامل مع الموجة الثانية
– دول أمام اختبار جديد .
على عكس الدول التي نجحت في السيطرة نسبيا على الموجة الأولى والتي تقوم فقط بالاستمرار في تطبيق إجراءات الوقاية ، يبدو المشهد أكثر تعقيدا في الدول التي أخفقت في إدارة الموجة الأولى ، لأنها لا تزال تبحث عن إستراتيجية فعالة للتعامل مع الأزمة ، بدأت بالفعل هذه الدول في تعزيز الثقة مجددا بين المرضي و النظم الصحية ، و التحكم في الاخبار منعا للشائعات التي تزيد من الانطباعات السلبية لدى المواطنين عن إدارة حكوماتهم للأزمة .
و من الملاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الأكثر تضررا في العالم من انتشار فيروس كورونا حيث تجاوزت أعداد الإصابات بها حاجز الستة ملايين شخص فيما قاربت الوفيات 200 ألف مواطن ، وعلى الرغم من ذلك تقدم الولايات المتحدة الأمريكية نموذجا في التكيف مع الجائحة.
حيث عادت الأنشطة الاجتماعية و الاقتصادية إلى طبيعتها كما عادت الدراسة بمختلف أنشطتها ، و تبدوا الاستعدادات الأمريكية مركزة على انتظار نتائج اللقاحات ، حيث تولي الحكومة الأمريكية الوصول إلى تطوير سريع للقاح فعال أولوية قصوى .
و تقدم المملكة المتحدة وهي إحدى الدول التي هاجمها “كوفيد-19” بضراوة في موجته الأولى نموذجا أخر يجمع بين الإجراءات الصارمة الخاصة بالحجر الصحي و المخففة الخاصة بعودة الأنشطة الحياتية لطبيعتها ، حيث بدأت بالفعل بعض المدن البريطانية خاصة التي تسكنها أقليات في إعادة تطبيق إجراءات الحظر خوفا من تراجع مستوي الخدمة الصحية
و نظرا لأن الأطفال و الشباب هم الفئات الأكثر تضررا من فيروس كورونا ، تحاول المملكة المتحدة ضمان استمرار العزل عند الضرورة مع منح أولوية للتعافي من الأثر السلبي و النفسي للموجة الأولى ، من هنا جاءت بعض القرارات و المبادرات مثل مبادرة “تحرك من أجل الاطفال ” بهدف دعم الصحة النفسية للأطفال و عائلاتهم للتعافي من الآثار السلبية للحظر و التباعد الذي عاصره الأطفال و ذويهم خلال الموجة الأولى من انتشار فيروس كورونا .
– الموجة الثانية و المستقبل
كما يرى خبراء و مخططون استراتيجيون أن نجاح مجابهة الموجة الثانية من انتشار فيروس كورونا متوقف على كم التعاون و الحرية و الثقة التي ستمنحها الحكومات للباحثين و العلماء ، وأيضا على كم التفاؤل المصحوب بالحذر حتى يتمكن المجتمع الدولي من التعافي الاجتماعي و الاقتصادي رفقة التعافي الصحي .
بينما يخشى خبراء آخرون أن يتسبب إرهاق النظم الصحية و الحكومات المختلفة خلال الموجة الأولى من الفيروس في الإلقاء بالمسؤولية كاملة على عاتق الأفراد وحدهم بحسبانهم اكتسبوا الخبرة الكافية في سبل الوقاية من الفيروس ، مؤكدون أن الإرهاق أصاب الحكومات و الأفراد على حد سواء ، لذا لا يجب أن يلقي أحدهم المسؤلية كاملة على الأخر .
علاوة على ذلك لا بد أن يكون التعاون سمة كل الحكومات و الأفراد حتى يتمكن العالم من السيطرة على الفيروس و التعافي الصحي و وقف نزيف الارواح و تعافي كافة الأنشطة الحياتية مجددا .