قال الكاتب والمفكر حسن إسميك، إن الإنسان هو من يصنع التاريخ، وفي لحظة ما يصبح هذا التاريخ هو القائد والموجه لسلوك الجماعات الإنسانية ومستقبلها، لتتحول هذه العلاقة التبادلية إلى “مواجهة” لا تكاد تنتهي بين ما راكمته هذه الجماعات عبر سلوكها وخياراتها السابقة، وبين رؤيتها الجديدة أو طموحاتها التي اختلفت بطبيعة الحال عن أزمان سابقة.
وأوضح إسميك، في مقاله المنشور في جريدة صوت الأزهر، تحت عنوان (عن العروبة والإسلام.. “خبز وماء” الحضارة)، أن العلاقة بين العروبة والإسلام، ما زالت موضع جدل طيلة أربعة عشر قرن مضت، وتداخلت فيها العوامل الروحية والتاريخية والإنسانية، فما عادت مجرد رابطة عرضية بين قومية أمة ما، وبين الدين الذي يدين به أفراد هذه الأمة، بل اتخذت أحد أكثر أشكال الجدلية عبر التاريخ، فأنتجت حضارة رائدة كانت العروبة والإسلام خبزها وماءها.
وأشار إلى أنه يريد استمرار دور هذه العلاقة في تحديد مصير ومستقبل الأمتين، رغم محاولات “” من التيارين ادعاء التفرد، وإغفال كل منهما دور الجانب الآخر في تشكيل هوية وثقافة جامعة لم تعرفها بقية الأديان أو القوميات، ودعوتهم لفصل العروبة عن الإسلام نتيجة ما شاب شكل هذه العلاقة من تشويه خلال العقود القليلة الماضية.
كذلك أضاف إسميك، أن العروبة بحكم أسبقيتها على الإسلام شكلت الحاضن للدين الحنيف، فغذته ورعته، وفي الوقت نفسه استندت على رؤيته الكونية لتشكيل حضارة باسمها والاستمرار بها سنوات طويلة، فكان الإسلام أشبه بالجنين الذي نما في رحم العروبة، معتمدا في غذائه على حبل سري غني ومتين، هو اللغة العربية التي شكلت أهم مقومات هذا الترابط واستمراريته، لتصبح فيما بعد أهم ركن تم استهدافه لفصل الإسلام عن حاضنته العربية، ولأسباب سياسية بحتة.
أيضا تابع: وتشير آخر الإحصائيات العالمية إلى أن عدد الناطقين باللغة العربية بلغ اليوم نحو 467 مليون إنسان، ما يجعلها خامس أكثر اللغات تحدثا على مستوى العالم خلف الماندرين والإسبانية والإنجليزية والهندية.
لكن لنعد بالزمن إلى ما قبل ظهور الإسلام، يوم كانت اللغة العربية في طورها الأول من الفصاحة التي حملتها قصائد الشعر الجاهلي، وتكونت بشكلها المعروف في القرن الثالث الميلادي وانتشرت بين القبائل العربية من الجزيرة وحتى سورية والعراق بفعل التجارة والتجاور، ثم أصبحت لهجة قريش المتميزة بالفصاحة وحسن اللفظ طاغية على سائر اللهجات، ولعبت المناظرات الأدبية التي كانت تقام في مكة دورا مهما في صقل وتهذيب اللغة، وصار صاحب البلاغة في خطابه اليومي يعد من ذوي الثقافة الرفيعة.
استطرد: وفي وسط هذه التوهج للغة التي تمثل روح المجتمع والقومية، والتي تعد في أي مكان من أهم عوامل الشعور الفردي والجماعي بالانتماء لقوم وحضارة معينة، جاءت الرسالة المحمدية بوحي إلهي ناطق باللغة العربية، فزادها رفعة وترك أثره في نفوس المدعوين إلى الدين الجديد من القبائل خارج الجزيرة أيضا، وهكذا مهدت اللغة والثقافة العربية الطريق أمام الفتوحات الإسلامية، وضمن القرآن العربي لهذه اللغة ازدهارا ومكانة سامية، مانحا إياها قوة إضافية كرابط قومي يعلو على بقية الروابط.