تتصدر فقاعة الذكاء الاصطناعي المشهد الاقتصادي العالمي لتتحول إلى محور النقاش في اجتماع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن. هذه اللقاءات تأتي في وقت تتصاعد فيه التحذيرات من تضخم التقييمات في أسواق التكنولوجيا، وسط تشبيه متزايد لما يحدث اليوم بما عاشه العالم في فقاعة الإنترنت قبل 25 عاماً.
جدول المحتويات
فقاعة تكنولوجية تلوح في الأفق
كريستالينا غورغييفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، لم تخفِ قلقها من التطورات الأخيرة في أسواق الأسهم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. فقد أشارت إلى أن “التقييمات تتجه نحو المستويات التي شهدناها خلال موجة التفاؤل بشأن الإنترنت في التسعينيات”، محذّرة من أن أي “تصحيح حاد” قد يؤدي إلى تباطؤ النمو العالمي وكشف نقاط الضعف في الاقتصادات النامية.
تحذيرات مشابهة صدرت من بنك إنجلترا الذي تحدث عن خطر “تصحيح حاد في الأسواق”، كما أشار جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، إلى أن “التقييمات مرتفعة بدرجة كبيرة”. هذا الإجماع بين المؤسسات الكبرى يعكس حجم المخاطر التي تراها البنوك المركزية في موجة التفاؤل الحالية بالذكاء الاصطناعي.
ما هي فقاعة الذكاء الاصطناعي؟
الفقاعة الاقتصادية تُعرف بأنها ارتفاع غير منطقي في أسعار الأصول، مدفوع بالحماس والخوف من تفويت الفرصة. ومع الوقت، تنفصل الأسعار عن القيم الحقيقية لتلك الأصول، قبل أن يحدث “التصحيح” أو الانفجار.
ويُجمع الخبراء على أن السوق الحالية للذكاء الاصطناعي تُظهر العديد من مؤشرات الفقاعة، مثل:
- تقييمات فلكية: شركات ناشئة تُقدر قيمتها بالمليارات رغم غياب نموذج ربحي واضح.
- تمويلات ضخمة: استثمارات بمليارات الدولارات من شركات كبرى مثل مايكروسوفت وأمازون وألفابت، رغم أن العائد لم يُثبت بعد.
- تشابه مع الماضي: سلوك السوق الحالي يشبه ما حدث عام 1999 حين ارتفعت أسعار أسهم الإنترنت قبل انهيارها.
مؤشرات مقلقة من السوق
شهدت أسهم التكنولوجيا اضطرابات لافتة خلال الأشهر الماضية. فشركة “إنفيديا” مثلاً، التي تُعتبر رمزاً لثورة الذكاء الاصطناعي، خسرت نحو 17% من قيمتها في يوم واحد بعد إعلان شركة صينية عن نموذج منافس منخفض التكلفة. ورغم تعافي السهم سريعاً وتجاوزه أربعة تريليونات دولار في القيمة السوقية، إلا أن هذا التذبذب يعكس هشاشة الثقة في السوق.
تؤكد تقارير “بلومبرغ إيكونوميكس” أن ما يحدث اليوم يعيد إلى الأذهان فقاعة الإنترنت، حين ضخ المستثمرون أموالهم في شركات لم تحقق أي أرباح، فقط لأنها تحمل طابعاً تقنياً جذاباً.
لماذا يقلق صندوق النقد الدولي؟
صندوق النقد يرى أن أي “تصحيح مفاجئ” في تقييمات شركات الذكاء الاصطناعي قد يمتد إلى قطاعات أخرى، خصوصاً أن التمويلات الضخمة تأتي عبر أسواق رأس المال التي تتصل مباشرة بالاقتصادات الكبرى. كما أن البنوك المركزية قد تضطر إلى تشديد سياساتها النقدية لمواجهة تداعيات الانهيار، مما يزيد الضغوط على الاقتصادات النامية.
ويؤكد خبراء الصندوق أن العالم يعيش اليوم في بيئة مالية حساسة، حيث التوترات التجارية وتزايد الدين العام يشكلان بالفعل تحديات ثقيلة، وجميعها قد تتفاقم إذا انفجرت فقاعة التكنولوجيا.
بين الحذر والتفاؤل
على الرغم من كل هذه التحذيرات، هناك أصوات ترى أن ما يحدث لا يمثل فقاعة بالمعنى التقليدي، بل هو “مرحلة نضوج” لتقنية ستغير الاقتصاد العالمي. يقول بريت تايلور، رئيس مجلس إدارة شركة “أوبن إيه آي”، إن “الذكاء الاصطناعي قد يخلق شركات عملاقة جديدة، تماماً كما حدث بعد فقاعة الإنترنت”.
أما جيف بيزوس، مؤسس أمازون، فيرى أن “الذكاء الاصطناعي يشبه فقاعة صناعية قد تؤدي إلى خسائر قصيرة الأجل، لكنها ستثمر عن تطورات تكنولوجية تفيد البشرية على المدى الطويل”، مشبهاً الوضع الحالي بفقاعة التكنولوجيا الحيوية في التسعينيات التي أفلست فيها شركات كثيرة، لكن العالم خرج منها بأدوية منقذة للحياة.
الإنفاق الرأسمالي يتضاعف
بيانات بلومبرغ تشير إلى أن الإنفاق الرأسمالي لأكبر أربع شركات تكنولوجيا — مايكروسوفت، أمازون، ميتا، وألفابت — سيتضاعف من 200 مليار دولار في 2024 إلى أكثر من 400 مليار في 2026. هذا الرقم يعكس الرهان الضخم على مستقبل الذكاء الاصطناعي، لكنه يطرح سؤالاً جوهرياً: هل هذه الاستثمارات مدفوعة بواقع اقتصادي أم بحماس مفرط؟
العديد من الشركات الناشئة في المجال لا تزال تعتمد على تمويلات ضخمة دون نموذج ربحي فعلي، ما يجعلها عرضة للانهيار في حال تباطؤ السوق أو تشديد السياسات النقدية.
في الختام
فقاعة الذكاء الاصطناعي ليست مجرد احتمال بعيد، بل خطرٌ قائمٌ يراقبه الاقتصاديون بجدية. صحيح أن الذكاء الاصطناعي يمثل ثورة حقيقية ستغير شكل العالم، لكن تضخم التقييمات والمضاربات المفرطة قد يقود إلى تصحيح مؤلم يذكرنا بانفجار فقاعة الإنترنت مطلع الألفية. ومع اقتراب اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين، يبقى السؤال: هل سيتعلم العالم من دروس الماضي، أم سيكرر التاريخ نفسه بثوبٍ رقمي جديد؟










