يُعدّ مهرجان البحر الأحمر السينمائي أحد أبرز الأحداث الثقافية والفنية في المملكة العربية السعودية والمنطقة، حيث نجح منذ انطلاقه عام 2019 في أن يكون منارة للإبداع وملتقى عالميًا لصُنّاع السينما ومحبي الفن السابع. ومن خلاله، فتحت السعودية نافذة واسعة أمام العالم لتستعرض فيها المواهب المحلية وتحتفي بالإنتاجات السينمائية من مختلف القارات، ضمن أجواءٍ تجمع بين الأصالة والحداثة، وتعكس روح التحول الثقافي الذي تشهده المملكة ضمن رؤيتها الطموحة 2030.
جدول المحتويات
مؤسسة البحر الأحمر السينمائي: حاضنة الإبداع ورائدة التمكين
تقف خلف هذا الحدث مؤسسة البحر الأحمر السينمائي، وهي مؤسسة غير ربحية تسعى لتعزيز ثقافة السينما في العالم العربي وأفريقيا وآسيا، عبر دعم صنّاع الأفلام والمواهب الشابة. وتعمل المؤسسة على بناء جسور ثقافية متينة تربط السينما السعودية والإقليمية بنظيراتها الدولية، مع التركيز على تمكين المرأة والاحتفاء بدورها أمام الكاميرا وخلفها.
تُقدّم المؤسسة مجموعة من المبادرات المتكاملة التي تشكّل منظومة متكاملة لدعم الصناعة السينمائية، مثل صندوق البحر الأحمر، معامل البحر الأحمر، سوق البحر الأحمر، وأخيرًا مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي. وتهدف هذه البرامج إلى تطوير الأفكار الإبداعية وتحويلها إلى مشاريع واقعية تُثري المشهد السينمائي العالمي.
المهرجان: من جدة إلى العالم
من قلب مدينة جدة التاريخية النابضة بالحياة، تنطلق فعاليات المهرجان على مدى عشرة أيام، تجمع بين العروض السينمائية والنقاشات الثقافية والفعاليات الترفيهية. ويُعد المهرجان فرصة فريدة لالتقاء المخرجين والمنتجين والنجوم من جميع أنحاء العالم تحت سقف واحد، مما يعزز الحوار الثقافي بين الشرق والغرب، ويؤكد مكانة السعودية كوجهة عالمية للفن والإبداع.
في كل دورة، يقدّم المهرجان باقة من أحدث الأفلام العربية والعالمية، ويمنح الفرصة للمواهب السعودية والعربية الشابة لعرض أعمالها أمام جمهور عالمي. كما يستضيف ورش عمل ومحاضرات وجلسات حوارية ثرية تتيح تبادل الخبرات وتعزيز المهارات الفنية والمهنية.
سوق البحر الأحمر: القلب النابض لصناعة السينما
يُعتبر سوق البحر الأحمر أحد أهم أركان المهرجان، إذ يمثل المنصة الأبرز للأعمال السينمائية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يجتمع فيه المخرجون والمنتجون والموزعون لاكتشاف مشاريع جديدة وبناء شراكات إنتاجية مميزة. ويضم السوق سنويًا أكثر من 80 جهة عارضة من أكثر من 20 دولة، إلى جانب مجموعة من الندوات والجلسات التي تناقش أبرز قضايا السينما الحديثة.
يُقدَّم في السوق برنامج خاص لرعاية المواهب الصاعدة، ودعم صنّاع الأفلام الشباب للانتقال من إنتاج الأفلام القصيرة إلى الطويلة، إضافة إلى فرص التواصل المباشر مع كبار صُنّاع القرار في الصناعة السينمائية العالمية.
معامل البحر الأحمر: من الفكرة إلى الشاشة
في إطار سعي المؤسسة لصقل المواهب وتطوير القدرات الإبداعية، أطلقت “معامل البحر الأحمر”، وهو برنامج سنوي احترافي يقدّم فرص تدريبية مكثفة في مجالات كتابة السيناريو، الإخراج، الموسيقى، والتصميم الصوتي.
ومن أبرز برامجه:
- برنامج الأفلام الطويلة الذي يستقبل مشاريع سعودية وعربية وأفريقية وآسيوية لتحويل الأفكار إلى أعمال سينمائية مكتملة.
- برنامج المخرجين الذي يتعاون فيه المهرجان مع المخرج العالمي “سبايك لي” لدعم المبدعين الواعدين.
- معمل الموسيقى والصوت لتطوير مهارات التأليف الموسيقي السينمائي وتصميم الصوت.
- معمل المسلسلات الذي يفتح الأبواب أمام الكتّاب العرب لتطوير مشاريع درامية ذات جودة عالية.
صندوق البحر الأحمر: دعم وتمويل لصناعة الغد
يُعدّ الصندوق أحد أعمدة المؤسسة، إذ قدّم منذ عام 2021 دعمًا لأكثر من 280 مشروعًا سينمائيًا بقيمة تجاوزت 15 مليون دولار. يشمل هذا الدعم جميع المراحل الإنتاجية، من التطوير والكتابة إلى التصوير وما بعد الإنتاج. ويستهدف الصندوق المخرجين من العالم العربي وأفريقيا وآسيا، سواء في الأفلام الطويلة أو القصيرة أو حتى المسلسلات.
كما يُولي الصندوق اهتمامًا خاصًا بدعم المرأة في السينما، وتمويل أفلام تخرّج طلاب أول جامعة سعودية متخصّصة في صناعة الأفلام.
في الختام
أثبت مهرجان البحر الأحمر السينمائي أن السينما ليست مجرد صناعة ترفيهية، بل هي جسر حضاري يربط الثقافات ويحتفي بالهوية الإنسانية. من خلاله، تُبرز السعودية وجهها الثقافي المشرق، وتمنح العالم فرصة للتعرف على مواهبها الشابة وطموحاتها السينمائية. ومع استمرار المهرجان ومبادرات مؤسسته في التطور عاماً بعد عام، يترسخ موقع المملكة كمركز إقليمي رائد لصناعة السينما والإبداع البصري.